الرباط | ولّى زمن التسامح مع المعارضين في المغرب. الأحكام الأخيرة الصادرة بحق عدد من النشطاء الشباب تؤكد ذلك، وآخرها إصدار إحدى محاكم الدار البيضاء قراراً يقضي بالسجن لمدة عام مع النفاذ وتسديد غرامة قيمتها ألف درهم (90 يورو) بحقّ مغني الراب المعارض، معاد بلغوات، المعروف بـ«الحاقد».
وأدانت المحكمة الرابر الشاب (24 عاماً) بتهمة «إهانة» جهاز الشرطة في أغنيته «كلاب الدولة». وفي العمل الذي حمِّل على يوتيوب، يظهر شرطيّ برأس حمار وهو يجرّ مواطناً مغربياً خلال إحدى التظاهرات، علماً بأنّ «الحاقد» اشتهر بأغنياته المنتقدة للنظام وبنشاطه السياسي في صفوف «حركة 20 فبراير».
وجاء النطق بالحكم مفاجئاً، وخصوصاً أنّ القاضي أصدره قبل الوقت المحدد بثلاث ساعات وفي غياب موكلي المتهم، ما دفع هؤلاء إلى اعتبار الحكم «جاهزاً» يهدف إلى إسكات صوت «الحاقد» الذي بات «مزعجاً» للسلطة. وفي حديث إلى «الأخبار»، قال محامي «الحاقد» عمر بنجلون «إنه حكم قاس صدر من دون أن نقدّم مرافعتنا النهائية»، مشيراً إلى أن إحدى الداعمات لـ«الحاقد» اعتُقلت من داخل قاعة المحاكمة، «وهذا ما يثبت بأن الدولة غير مستعدة لتقبل النقد والرأي الآخر».
وأضاف بنجلون إنّ «الشرطة الوطنية جهاز ينخره الفساد كباقي الأجهزة في المغرب»، وإنّ «قيام الشرطة بتسخير كل إمكاناتها ضد أغنية انتقدت فسادها، فإنّ ذلك دليل على عدم استقرار مؤسساتي يضرّ بصورة المغرب».
ويقول مقربون من «الحاقد» الذي اعتُقل في نهاية شهر آذار (مارس) الماضي، إنّ ملف الرابر السياسي كان سبباً في اتخاذ الحكم الذي اعتبروه «تحصيل حاصل». ناشط في «حركة 20 فبراير» أشار لـ«الأخبار» إلى أن «حملة المساندة العالمية التي كان يحظى بها «الحاقد» في قضيته الأولى، دفعت منتقديه إلى إيقاعه في قضية شائكة، والحرص على ألّا ينجو منها بسهولة هذه المرة». وكان «الحاقد» قد قضى أربعة أشهر في السجن بتهمة الاعتداء على أحد أفراد ما يُعرف بحركة «الشباب الملكي». حينها، تناقلت وسائل الإعلام العالمية والمحلية خبر اعتقال الفنان الشاب وصوره وأخباره وكل المستجدات المتعلقة به، وبدا أن السلطة كانت مجبرة على اتخاذ «حل وسطيّ» في القضية بسبب الضغط الإعلامي الممارس عليها. وهو ما حدث حين أطلق سراح المغني بعد إعلان حكم مماثل للفترة التي قضاها في السجن.
ويقول المدوّن المغربي المقرّب من «الحاقد» العربي الهلالي: «للمرة الأولى في تاريخ المغرب، يُدان مغني راب بسبب أغنية. هذا لم يحدث في زمن الحسن الثاني ولا حتى في سنوات الثمانينيات. وها هو يحدث اليوم في العهد الجديد». وأضاف المدّون إنّه «عندما نطق القاضي بالحكم، لم يملك جرأة النظر في عيوننا وعيون «الحاقد»».
وتوجّه الهلالي إلى وزير العدل والحريات المغربي مصطفى الرميد، بالقول: «أنت وعدت بتقديم استقالتك لو مُسّتْ كرامة مواطن مغربي... تقديم استقالتك لن يجدي نفعاً الآن بعدما أسأت إلى سمعتك».
لكن هل ستتوقف القضية عند هذا الحد؟ ينفي المحامي بنجلون ذلك، ويؤكد «أننا سنستأنف الحكم من أجل إثبات براءة «الحاقد»».
ويضيف: «انزعجت السلطة من تأثير «الحاقد» على طبقات واسعة من مهمّشي الشعب، وازداد هذا الانزعاج بعد وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى الحكم. لكن معركة الحرية والديموقراطية ستستمر مع هؤلاء... قد يسجنون أجسادنا، لكنهم لن يسجنوا أفكارنا».
إذاً، يعود «الحاقد» مرة أخرى إلى «سجن عكاشة» الذي بات يعرفه جيداً. هو واحد من الفقراء الذين قالوا الحقيقة في بلد يمنعهم من ذلك مثل الناشط في «حركة 20 فبراير» حمزة هدي والشاعر يونس بلخديم، وعدد ممن دفعوا ثمن جرأتهم في السجن.