أخذ دمار الحرب الأهلية كل شيء في طريقه. أماكن، زوايا، مقاهٍ، صروح ثقافية وفنية... اندثرت، أو أصبحت أطلالاً على أكثر تقدير. بعد ذلك، جاءت شركات الإعمار التي محت آثار المدينة القديمة، وأعطتها «لوكاً» جديداً لم يعهده اللبنانيون. على أي حال، كانت ثمة مكتبة رائدة في المجال الثقافي قبل 37 عاماً، تقع في ما بات يُعرف اليوم بوسط بيروت التجاري. اضطر مالكو المكتبة إلى إقفالها في ذلك الوقت بسبب الحرب. إنّها «مكتبة أنطوان» التي انتقلت إلى «شارع الحمراء»، ثم افتتحت فروعاً أخرى لها في بعض المناطق اللبنانية. وحتى اليوم، ما زالت هذه الفروع تمارس نشاطها كالمعتاد. لكنّ أصحابها قرروا العودة إلى وسط بيروت، بعد أربعة عقود من «الهجرة». وقد شاء مالكو «أنطوان» ألا تكون عودتهم تقليدية.
المكتبة التي أعيد افتتاحها يوم الجمعة الفائت في «أسواق بيروت»، سيجد زوارها أنفسهم داخل مساحات واسعة ترتفع ثلاث طبقات، حيث تضمّ كل واحدة محتويات محددة. يضمّ الطابق الأرضي مثلاً الصحف والمجلات، والعديد من الكتب عن لبنان باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، إضافة إلى الخرائط السياحية، وكل جديد من إصدارات «دار نوفل»، فضلاً عن زاوية للأدوات المكتبية Fabriano.
قد يكون الطابق الأرضي هو الأكثر تقليدية، إلا أنّ الصعود إلى الطابقين الأول والثاني سيكشف لنا أن التوزيع المتخصص ليس وحده من سمات هذا الفرع القديم ـ الجديد. على مساحة 300 متر التي يشغلها الطابق الأول المخصص للأطفال (كتباً وقرطاسية وألعاباً الكترونية وتعليمية)، تتوزع المقاعد في الوسط والى جانب الجدران متيحة إمكانية الجلوس والمطالعة للزائرين. أما الأهمّ في هذا الطابق، فهو توافر زاوية أعدت لإقامة الأنشطة الخاصة بالأطفال، مثل المسابقات التربوية والنشاطات الترفيهية. المكتبة المجهزة بشاشات كبيرة لعرض الصور والأفلام، خصّصت الطابق الثاني ليشتمل على أكبر كمية من الكتب المتنوعة. ثمة أيضاً شبّاك لبيع تذاكر الحفلات الموسيقية وغيرها، إضافة إلى زاوية photo gallery، ومقهى يقع قبالته مسرح صغير أعدّ لإحياء بعض المناسبات، مثل توقيع الكتب والأمسيات الشعرية والموسيقية... لكن ليس بطريقة انتقائية. إدارة المكتبة ستقرر نوع الموسيقى المعزوفة، أو النشاطات التي سيتم إحياؤها كي لا تعكر مزاج الزوّار والمطالعين. تلفت مديرة الفرع عايدة فرح إلى أن «مكتبة أنطوان» ستكون الوحيدة في منطقة «أسواق بيروت» لأن الـ«فيرجين ميغاستور» بعيد عنها نسبياً، وبالتالي «نتوقع زيارة عدد لا بأس به من الزبائن والزوار الذين قد يداوم بعضهم على الحضور بصورة يومية».