15 شخصاً كانوا مضطرين للبقاء في شقة صغيرة في وسط القاهرة ينتظرون انتهاء حظر التجول عند الخامسة صباحاً. كان ذلك في آخر أيام «الحظر» الذي كان مفروضاً على المصريين في حزيران (يونيو) العام الماضي. استُهكلت شحنات الانفعالات مع أغنيات الشيخ إمام، ومع الزجاجات التي فرغت الواحدة تلو الأخرى. صمتت المجموعة قبل أن ينطلق صوت مريم صالح وهي نصف مستلقية لتغنّي: «ولحد إيمتى بقى، أطفي الحريق بحريق.
يا سفينة متزوّقة، جوّاها ألف غريق. زهقت منِّك بقى، وحشوفلي أيّ طريق. مع إني طول الطريق، ببلع ترابك ريق» (طول الطريق). كان هذا الانفعال ضروريّاً لتجريد اللحظة من ضخامة القضايا العامّة.
بعد عام على تلك السهرة، تطلق مريم باكورتها «مش بغنّي» (إنتاج «إيقاع») في «بابل» ضمن «نساء في مجتمعات مهدّدة». هكذا، تتخلّص الفنانة الشابة من تراث الشيخ إمام الذي طبع تجربتها طيلة السنوات الخمس الماضية. تقدّم أعمالها الخاصة التي نضجت موسيقياً وتعبيريّاً وحتى سياسياً. إذن، نحن أمام تجربة متكاملة قادرة على استدراك المهمَل من التراث، والهروب من المعاصرة إلى استشراف المستقبل. وُفقت مريم في اختيار كلمات أغنياتها التي ألفها ميدو زهير، ومصطفى إبراهيم، وعمر مصطفى. تتراوح موضوعات الكلمات بين اليأس في صورته المعاصرة (وليه تنربط)، وبين حوارات مع الوطن الذي يبدو هشاً وضعيفاً (وطن العكّ)، إضافة إلى الاغتراب. في الجانب الموسيقيّ من «مش بغنّي»، ثمة تعمّد للصخب، وتعليب للأعمال في هاجس مريم الأول: Psychedelic rock. وبما أن معظم أغنيات الاسطوانة معروفة لدى الجمهور الذي سمعها في حفلات مريم في القاهرة وبيروت، فقد كان ضرورياً إعادة توزيع تلك الأعمال، و«تشذيب» بعضها موسيقياً. وبالفعل، تصدّى لهذه المهمّة تامر أبو غزالة (باستثناء «وطن العكّ» التي وزّعها يعقوب أبو غوش) فضلاً عن إنتاجه الاسطوانة. وفي حين نجح الفنان الفلسطيني في نفخ روح جديدة في بعض الأغنيات، بدا غير موفق في بعضها الآخر. آلتان فقط (بيانو شادي الحسيني، وغيتار محمد درويش) رافقتا المغنية الشابة في «كل الطريق» التي يمكن وصف صوت مريم فيها بـ«العاري». لعلّ أجمل محطات الاسطوانة أغنية «ليه تنطرب» التي لحنها تامر أبو غزالة. هنا يتعرّى صوت مريم، ويوضع في مزاج «السايكيديليك» الصحيح، مقدّماً صوتاً استثنائيّاً لا يقلّد أحداً.



حفلتا مريم صالح وإطلاق «مش بغني»: 8:30 مساء 15 و 16 أيار ـــ «مسرح بابل».