سيرة رينيه ديك تشبه سيرة المدينة التي احتضنت تجربتها المسرحية. إنها سيرة صعود وتألق انتهيا إلى انهيار وركود. عاصرت الممثلة المخضرمة الحقبة الذهبية لحداثة بيروت ومختبرها الثقافي والفني في ستينيات القرن الماضي. كان المسرح يتلألأ إلى جوار الشعر والصحافة والنشر والغناء.
لم تكن رينيه في الصفوف الأولى لأسماء تلك الحقبة، لكنها كانت جزءاً حقيقياً من المشهد الذي تزامن أفوله مع اندلاع الحرب الأهلية، وتمادي النظام السياسي اللبناني لاحقاً في إهمال الثقافة وعناصرها. كان مزاج المدينة الخصب يتسع لممثلة تؤدي أدواراً على المسرح، وتقدم أداءً مسرحياً من نوع آخر، بوقوفها كموديل عارٍ أمام طلاب معهد الفنون الجميلة. اشتغلت رينيه ديك مع مجايليها قبل الحرب، وعادت للعمل بإدارة مخرجين آخرين مع عودة الحياة إلى المسارح أوائل التسعينيات. ولعل أداءها المدهش لدور «المدام» إلى جوار رندا الأسمر وجوليا قصار في مسرحية «الخادمتان» (1996) التي أخرجها جواد الأسدي عن نص جان جينيه، هو الأكثر حضوراً في ذاكرة الجمهور.

هكذا، التصق اسمها باسم المخرج العراقي، وتحوّلت المسرحية إلى معادل رمزي لتجربة رينيه ديك كلها تقريباً. نكاد لا نذكر لها عملاً يوازي ذلك العمل.
حضرت ديك في عدد من المسرحيات والأفلام. عصاميتها وشغفها الجارف جعلاها توافق على أدوار صغيرة وحضور فخري، بينما ظلت تجربة «الخادمتان» تلمع في مسيرتها المهنية.
عاد اسمها إلى الواجهة مجدداً مع قيام الأسدي بإخراج نسخة ثانية من المسرحية ذاتها ضمن مهرجان «جان جينيه بعيون عربية» (2009).
ألغى صاحب «حمّام بغدادي» شخصية «المدام»، مكتفياً بتكريم خاص لصاحبة الدور في افتتاح المهرجان.
الحقيقة أن الفضل الأكبر في بقاء اسم رينيه ديك في ذاكرتنا يعود إلى عملها مع الأسدي، الذي دأب على مصادقة ممثليه في المسرح وخارجه. نتذكر هنا ورشة «قطط رينيه ديك» التي أدارها مع طلاب الجامعة الأميركية
(2006).
كان ذلك مديحاً آخر للممثلة التي سيُعيد الأسدي تكريمها ضمن الدورة الثانية من مهرجان «نساء في مجتمعات مهدَّدة». كأن صفة «مهددة» تطاول المسرح اللبناني الذي يبدو عاجزاً عن استعادة دوره وحيويته، إن لم يكن (قد) صار عاجزاً فعلاً مع احتضار خشبات المسارح وإقفالها.



في مناسبة تكريمها، تُعرض نسخة فيديو من مسرحية «الخادمتان» أيام 17/ 18/ 19 أيار/ مايو (س:8:30)، يليه حوار مع الجمهور حول
تجربتها.