دمشق | أفرزت الأزمة السورية حالةً جديدةً وطارئة على الإعلام العربي، تمثلت في ظهور خطاب «بلطجي» لا يمتّ لأدبيات الإعلام بصلة. وربما ساهمت المحطات السورية، وعلى رأسها تلفزيون «الدنيا»، في تكريس هذه الظاهرة عندما أفردت لبعض ضيوفها اللبنانيين من الموالين للنظام السوري مساحة شاسعة على الهواء مباشرة لكيل الاتهامات والاستعراض في ترتيب الجمل المبتذلة وشنّ الهجوم المجاني. صار هؤلاء نجوم المرحلة، في غياب محللين سياسيين سوريين أكثر اتزاناً ومعرفة بشأن بلدهم.
وعلى الطرف المقابل، أسهمت قناة «الجزيرة» وبعض المحطات اللبنانية التي تعتمد برامجها السياسية على الفضائحية، في زيادة حدة هذه الظاهرة واستشرائها. هكذا، صار طبيعياً أن نشاهد عراكاً بالأيدي بين ضيفي فيصل القاسم في «الاتجاه المعاكس» على «الجزيرة»، وهذا ما حصل منذ أشهر حين هجم الصحافي اللبناني جوزف أبو فاضل على المعارض السوري محيي الدين اللاذقاني في إحدى حلقات البرنامج، أو عندما شاهدنا حلبة مصارعة «بطلاها» السياسيان فايز شكر ومصطفى علوش ضمن برنامج «بموضوعيّة» على mtv.
صحيح أنّ كل هذه الإشكالات لم تمتد إلى الإعلامي أو المذيع الذي يستقبل الضيف، لكن ما حصل أمس ضمن برنامج «نهاركم سعيد» على LBCI يعدّ سابقة، ولو أنّه لم يتطوّر إلى عراك بالأيدي! حلّ الوزير اللبناني السابق وئام وهاب ضيفاً على المذيعة ديما صادق. وخلال الحوار، الذي تركّز على الملف السوري، توجّهت إليه الإعلامية بسؤال بسيط هو: «هل تدين السياسة الخارجية السعودية تجاه سوريا؟». هنا، خرج وهاب عن طوره، رافضاً الإجابة عن سؤال «استفزازي ومشبوه»، مضيفاً: «لست تلميذاً في المدرسة، وإذا استمرت الأسئلة بهذا الشكل فسأنسحب من الحلقة». ولم تفد محاولات المذيعة امتصاص الغضب المفاجئ لوهاب ومحاولة تلطيف الأجواء بابتسامة لم تفارق وجهها. السياسي اللبناني «اتّهم» المذيعة بأنها حضّرت السؤال سلفاً وأنّ هناك من أملى عليها هذا السؤال «المبتدئ»، مضيفاً إنّه لن يواصل الحلقة. وافقته صادق، واعتذرت عن عدم متابعة الحلقة في هذه الأجواء المشحونة.
في كل الأحوال، فإن حالة الانفعال غير المبررة التي دخل فيها وهاب صارت ميزة ظهوره الإعلامي، وربما هي التي جعلته ينسى بعض قواعد العمل الإعلامي ويعتبرها تهماً ألقى بها جزافاً في وجه مضيفته، وهو يتجرع كأساً من الماء. من الطبيعي في أي لقاء صحافي أن تكون الأسئلة معدّة مسبقاً، وهذه ليست تهمة ولو أنّ صادق نفتها. ومن الطبيعي أيضاً أن يكون هناك معد أو مشارك في إعداد الحلقة يضع أسئلة قد تكون تمت الإجابة عنها مسبقاً ضمن سياق الحديث، وهذه ليست جريمة أيضاً. ولا شك في أنّ مستشاري وهاب الإعلاميين لم يخبروه بأن الأسئلة الاستفزازية هي حق مشروع للإعلامي. وهنا يجب على الضيف ضبط النفس والإجابة بدبلوماسية وذكاء، لا الدخول في حالة هستيرية، كما حصل مع الوزير السابق. الواقعة المضحكة المبكية انتقلت سريعاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت مادة تندّر بين الروّاد الذين راحوا يضحكون على فارس جديد ينضمّ إلى ساحات «الوغى»!