دمشق | يواصل المسرحي السوري الشاب كفاح الخوص (1978) مشروعه في كتابة نصوصه الخاصة، وإخراجها بنفسه منذ تخرّجه في المعهد العالي للفنون المسرحية (قسم التمثيل) عام 2001، معتمداً بشكل أساسي على تقنية الحكواتي. يقول لـ«الأخبار» إنّ هذه التقنية «إحدى أهم الظواهر المسرحية العربية التي بقيت عاجزة عن التطور منذ زمن طويل».
أثناء الإعداد لعرضه الجديد «حكاية بلاد ما فيها موت» الذي يقدم حالياً على خشبة «مسرح القباني» في دمشق، أجرى الخوص ورشة عمل مع عدد من الممثلين «لاختيار الأكثر كفاءةً بينهم للتعامل مع هذه الشكل المسرحي المغيب تماماً عن مسارحنا، فهو يتطلب مقدرات خاصة من الممثل».
قدم العرض أفكاراً كثيرة مختلفة، وعالجها ضمن قالب روائي سردي، يقوم على التلاعب بعناصر الحكاية، القائمة أساساً على السرد بمستويات متداخلة، تمحورت حول موضوعة واحدة: الموت الناتج من حروب دموية، يشعل البشر نارها القاتلة أينما وجدوا، ويعيشون بعدها انعكاساتها المؤلمة. إنّها محاولة واضحة للربط بين أفكار المسرحية، وما تعيشه سوريا من قتل ودم منذ عام ونيف. وهذا ما جعل الخوص يعدّل مقدمة نصه الذي يحمل عنوان العرض نفسه نشره الخوص عام 2008 ضمن «سلسلة ذاكرة المسرح السوري ـــ دمشق عاصمة الثقافة العربية». التعديل جاء عبر إضافة مشاهد حوارية جديدة، تلخّص ما يعيشه السوريون من فصول الموت والقتل اليومي.
بطل الحكاية/ العرض هو بحر (أدى الدور الخوص نفسه) الذي يعيش حالة هستيرية لكثرة ما شاهده من قتل ودموية كما يقول في حواره «الموت العم تحكو عنو، هوني موجود، وبغير بلاد بيتغنوا بعالم الخلود، وهالمطرح طالع منو وما بدي عود، ببلادك هون لأنو الواقف مدبوح». يتداخل الواقع مع المتخيل والأسطوري، وتخيم على بحر معاناة كبيرة من فكرة الموت، يحاول الخروج منها عبر بناء حكايته الخاصة، تساعده في ذلك جنية الحكاية (رغدة الشعراني) التي ترافقه في رحلته للبحث عن أرض لا موت فيها.
فصول الحكاية التي اختار بحر تقديم مشاهدها بنفسه على الخشبة، تتقاطع مع أسطورة جلجامش ورحلته وبحثه عن الخلود. تتحول شخصيات ملحمة أورك السومرية إلى شخصيات كثيرة مختلفة، أدّاها كل من أسامة التيناوي، الفرزدق ديوب، شادي الصفدي، ورنا كرم، بمشاركة حسان عمراني ونور عرقسوسي اللذين قدّما مقاطع غنائية زجلية. الأداء الذي اختاره الخوص لممثليه يلائم إلى حدّ ما طبيعة الحلول الإخراجية المسرحية المؤسلبة والشرطية حيث يتراجع الصراع والفعل المسرحي بشكله التقليدي لصالح الكلمة والحوارات «أردت هنا التركيز على شكل وطبيعة أداء الحكواتي الشعبي الذي يعتمد بشكل مباشر على الكلام المنطوق أكثر من الفعل والحدث الدرامي المسرحي التقليدي». هكذا، غابت الأسماء عن مجمل الشخصيات، وتشابهت كثيراً في لباسها وحركاتها البعيدة عن تصوير تفاصيل الحياتية اليومية، خالقةً مسافة بينها وبين المشاهد، بينما غصّت الخشبة بعناصر الإكسسوار والديكور في دلالات وإيحاءات مختلفة، ألغت تحديد زمان أو مكان لمجريات الحكاية وتفاصيلها.
وكما هي الحال في مجمل عروض الخوص السابقة، رافقت موسيقى حية الممثلين في حركاتهم وأدائهم. محطات ومفارقات كثيرة عاشها بحر في رحلته للوصول إلى «بلاد لا موت فيها». وعندما بلغها أخيراً، أدرك أنّ الموت نفسه هو أحد أسباب خلاص الإنسان وسعادته. بعد بقائه وحيداً في بلاد الخلود الخاوية من البشر، يقرر بحر العودة إلى بلاده وأهله وناسه، لكنه يجد أنّ كل شيء قد تبدّل وتغيّر عند وصوله، وقد أصبح غريباً ضائعاً في وطنه. «حاولت معالجة فكرة صراع الإنسان في بحثه المحموم عن الخلود، وقدمت قراءة ذاتية وخاصة للموت على أنّه غياب العقل وقتل الطموح والأحلام، بعيداً عن معالجة فكرة الموت البيولوجي للإنسان».



«حكاية بلاد ما فيها موت»: 8:00 مساءً ـــ حتى 8 أيار (مايو) المقبل ـــ «مسرح القباني»، دمشق ـــ للاستعلام: 00963112318019