دمشق | يبدو أنّ قضية «الجزيرة» لن تنتهي فصولها قريباً. بعد سلسلة الفضائح المهنية التي نتجت عنها استقالات بالجملة، بدءاً من مدير مكتب المحطة في بيروت غسان بن جدو، مروراً بموسى أحمد وعلي هاشم، ها هو الأمر يمتد ليطاول إعلاميي القناة في عواصم أجنبية، أولهم مراسل «الجزيرة» في موسكو محمد حسن، ومدير مكتب القناة في طهران ملحم ريا. وقد علمت «الأخبار» أنّ هناك استقالات أخرى ستخرج إلى العلن في الأيام المقبلة.
ما يجمع كل هذه الاستقالات أنّها جاءت رداً على «تورّط» القناة في الملف السوري. هكذا، طالعنا الإعلامي اللبناني ملحم ريا منذ حوالى أسبوع باستقالته. وقد علمت «الأخبار» أن ريا استقال احتجاجاً على انخراط المحطة القطرية في «المشروع الأميركي الإسرائيلي الرامي الى استهداف المقاومة»، كما صرّحت مصادر من داخل القناة. وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ ريا أكّد للمحطة مراراً أنّ خطها التحريري لم يعد يراعي الموضوعية في طرح قضايا هامة في مرحلة حساسة وحرجة تشهدها المنطقة، كما انحرفت عن المهنية في تغطيتها للأحداث، وخصوصاً في سوريا والبحرين. وأشارت هذه المصادر إلى أنّ ريا أبلغ القناة القطرية أنّ الخط الذي تنتهجه حالياً بات يتعارض مع توجهاته المهنية والسياسية. هذا الأمر كان بمثابة تمهيد للاستقالة التي قدمها بتاريخ 12 نيسان (أبريل) الجاري، ليلتحق بقناة «الميادين»، التي استقطبت العديد من زملائه المستقيلين، لكن كالعادة، لم يسلم ريا من انتقادات بعضهم، الذين شكّكوا في أسباب استقالته، معتبرين أنّها مجرد بروباغندا لم يطلقها صاحبها إلا للفت النظر، ولا سيما أنّه ترك وظيفته ليلتحق بمكان جديد ليس أكثر. هذا الأمر تنفيه مصادر من داخل المحطة القطرية، قائلة: «يحق لأي موظف أن يؤمن فرصة عمل قبل أن يقدم الاستقالة، وخصوصاً أنّ مجمل أسباب الاستقالات من المحطة يتقاطع بعضها مع بعض، أي التغطية المنحازة للقناة بين البحرين وسوريا».
وما إن مرّت أيام على خبر استقالة ريا، حتى قرأ روّاد الفايسبوك نبأ استقالة مراسل القناة في موسكو محمد حسن، عبر صفحته الشخصية على الموقع، إذ كتب منذ أيام: «استقلت وسأذهب إلى البحر». وقد باءت كل محاولات «الأخبار» للتواصل معه بالفشل. إلا أنّه أكّد لنا عبر الموقع الأزرق أنّه استقال فعلاً، ويقضي حالياً إجازة، حيث يشارك في سباق يخوت شراعية، مرجئاً الحديث عن أسباب الاستقالة لغاية عودته من الإجازة، لكنّ مصدراً مقرباً من الإعلامي السوري فضّل عدم ذكر اسمه أكّد لـ «الأخبار» أنّ السبب المباشر وراء استقالة حسن هو «استمرار المحطة في التحريض بشأن الملف السوري، وعدم اكتراثها للدماء التي تسيل، بل إنّ «الجزيرة» تستغل هذا الأمر أبشع استغلال، وتتاجر به، مدعية أنّها معنية بدماء المواطن السوري، وهي غير معنية إلا بتنفيذ أجندات حكومة قطر، التي صرفت ملايين الدولارات، لكنها لم تتوقع أن يصمد النظام في سوريا كل هذا الزمن».
في مواجهة كل ذلك، ما زالت إدارة المحطة الإخبارية تتخبّط عند نبأ كل استقالة، وتعقد الاجتماعات المتتالية لمعالجة الأمور، لكن خطواتها الفعلية لا تتعدى التطمينات الوهمية التي تبثها بين الفترة والأخرى لموظفيها.
وبموازاة ذلك، يبدو أنّ هناك حرباً كلامية تدور منذ فترة بين محررين في «الجزيرة» يحاولون إبقاء ما يمكن إبقاؤه من مهنية، وآخرين يشنون هجوماً مكثفاً على كل من يستقيل أو يناصر الاستقالات. وكان الملف الذي نشرته «الأخبار» عن الوثائق والمراسلات داخل المحطة («الأخبار» عدد 28 آذار/ مارس 2012) قد دفع المحطة إلى فتح تحقيق لمعرفة الطريقة التي سُرِّبت بها تلك الوثائق إلى وسائل الإعلام، إضافة إلى التحقيق في قضية الصور التي سبق أن بعثها المراسل السابق للقناة في بيروت علي هاشم من منطقة وادي خالد (شمال لبنان)، وتظهر مسلحين يشتبكون مع الجيش السوري. وقد امتنعت المؤسسة يومها عن عرضها، واتخذت قراراً بإعادة المراسل إلى بيروت. إذاً، تواجه محطة «الرأي والرأي الآخر» مجدداً تخبطات مهنية واستقالات بالجملة، وتستمر في سياسة الهروب إلى الأمام من دون أن تخرج ولو لمرة واحدة وتفتح ملف استقالات موظفيها... استقالات تستنزف المؤسسة وتعلّق «نعوة» عصرها الذهبي.