هو ليس من جيل الحرب، ولم يعرف قاموس طفولته الملّون اي كلمة رصاص، وموت، ومفقودين. مع ذلك، سيكبر وسيختار أن يكون معرضه الأول عن المفقودين في الحرب الأهلية، والمنفيين قسراً في السجون السورية. هكذا قدّم المصور الفوتوغرافي اللبناني طارق حداد (1981) معرضه الأول «صرخة صامتة» الذي اختُتم منذ أيام في حديقة خليل جبران (وسط بيروت). زرع الفنان الشاب حديقة «النبي» بـ 65 عملاً تصوّر معاناة أهالي لم يتعبوا من حمل قضيتهم في بلد الذاكرة المثقوبة.
بعد مرور سنوات طويلة على هذه القضية، لم يعد الغياب محصوراً بالأبناء المبعدين عن عوائلهم، بل طال أمهات المفقودين أنفسهم. هذا تحديداً ما أرادت أن تقوله عدسة طارق. نشاهد في المعرض صور أوديت سالم المرأة التي هزت وجدان المجتمع اللبناني حين توفيت بحادث سيارة وهي تعبر الشارع صوب خيمة المفقودين عام 2009، فانضمت إلى أبنائها الغائبين وصارت صورة تعلّق قرب صورهم.المعرض الذي افتتح في 11 نيسان (أبريل) الجاري في ذكرى مرور ستّ سنوات على وضع خيمة أهالي المفقودين أمام مبنى «الاسكوا» عام 2006، أراد أن يحتفي بأمهات الغائبين قسراً وأسرهم وأقربائهم. صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود ما زالت تقلب جمر الذاكرة اللبنانية التي ترفع شعار «تنذكر ما تنعاد». صور معلقة على خيمة الأهالي، وأخرى على صدور الأمهات والآباء والأخوات، وأخرى في الحديقة المحيطة المقابلة لمبنى الاسكوا في وسط بيروت، كلّها أصبحت داخل إطارات سوداء في معرض طارق حداد. «ضمتني امرأة تبكي خلال تشييع إحدى أمهات المفقودين التي ماتت بمرض السرطان. قالت لي: فكرك يا طارق رح ننتهي كلّنا لهيدا المصير؟ رح نموت بلا ما نعرف وين ولادنا؟» بهذه القصة يعرّف الفنان اللبناني مضمون معرضه الذي يمتلئ بقصص الموت والفقدان المرّ. حكايات وقصص كثيرة عن أم ماتت بالسرطان، وأخرى قضت في حادث سيارة عندما كانت متوجّهة إلى خيمة أهالي المفقودين، وأخرى ماتت من تعب الانتظار المضني، ومن الاعتصامات، والتحركات التي لم تنته لكشف مصير 17 ألف مفقود ومخطوف من لبنان وفلسطين.
سنجول في المعرض لنقع على صورة تظهر طفلاً في الثانية عشرة، يرفع صورة عمه الذي كان في سنّه حين اختفى في خضم حرب مجنونة لم تفرّق بين الصغار والكبار. سنرى نعوشاً وبكاء وجنازات ومواكب، لكنّها لا تحمل جثث المفقودين. البكاء ليس هنا على شخص عاد إلى أهلهه وشيّعه الجميع. إنّها مأسارة أكبر، إنّها جنازات أمهات طال انتظارهن لابنٍ لا يأتي.