القاهرة | «ولا فيكو مولانا ولا بينكو سيدّنا/ مولانا علانا ومافيش ما بينا وسيط/ وقلوبنا بتدلنا وضميرنا مرشدنا/ لا بنعشق الصفقات ولا لينا في التربيط». إذا لم تكن كلمتا «الصفقات» و«التربيط» قد أشارتا بوضوح إلى من تتوجه إليه ـ أو ضده ــ هذه الأغنية، فإن كلمة «مرشدنا» ترمز بوضوح إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تنتقدها أغنية شريف إسماعيل «مين جابكوا م الزنازين؟». الأغنية واحدة من أشكال التعبير الفني المتعددة المعبرة عن شباب ثورة يناير التي صبت غضبها على الجماعة بقدر ما صبته على العسكر. نستمع إلى كلمات أشرف الشافعي على وقع غيتار وحنجرة شريف، حيث تتابع الأغنية بوضوح أكبر «سبنا الدفا لناسه ونزلنا عز البرد/ قولنا ح نـوفي الندر/ بالدم ف الميادين/ وف أسبوعين اتنين/ أدينا عنكو الفرض/ عملتوا إيه انتو ف سنينكم التمـانين؟». الإشارة هنا طبعاً إلى التاريخ الثمانيني لجماعة الإخوان، والكلمات التي يغلب عليها الخطاب السياسي المباشر أصبحت سمة تتزايد في غناء ما بعد ثورة النيل. لكننا هنا أمام خطاب سياسي يختلف عما عهدته الأغنية العربية السياسية التي طالما تراوحت بين الوطني والثوري، حيث الوطن رمز واضح والسلطة أو الاحتلال عدو محدد في مقابل الجماهير. أما اليوم وإزاء التجربة الديمقراطية التي استحدثها الربيع العربي، يتغير خطاب الأغنية السياسية وموضوعها، وتكتسب طابعاً جديداً «ديمقراطياً» لو صح التعبير أو حزبياً. وبخلاف أغنية شريف اسماعيل التي توجّه لوماً من الثوار إلى جماعة الإخوان، نستمع إلى أغنية أخرى إخوانية هذه المرة، صنعت لتأييد ترشيح القيادي الإخواني خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية، قبل استبعاده بالطبع. الأغنية الإخوانية ـ كما هو متوقع ـ تلتزم بـ «الضوابط» الشرعية من حيث ابتعادها عن الآلات الموسيقية «المحرمة». بالكاد يمكن تمييز آلة بعينها اللهم إلا الأورغ الكهربي. أما الغناء فهو أقرب إلى الإنشاد مع نبرة صوت قريبة من الأداء الخليجي، وكلمات أقرب إلى أناشيد المدارس «افرحي يا بلدنا جايلك/ أردوغان مصر الجديد/ هو ده الخبر السعيد/ بكرة تبقى الدنيا عيد/ جاي يخللي حياتنا جنة / يمسح الدمع في عيوننا/ جاي يعيد لينا أملنا/ اللي راح في طريق بعيد».
بعيداً عن تواضع الكلمات، فإنها تعبر بشكل دقيق عن ذهنية «المستبد العادل» الذي سيجلب السعادة والخير ويمسح الدموع ويحقق الآمال، حتى أن فيديو الأغنية على يوتيوب ليس إلا صوراً مختلفة للمرشح السابق في هيئة الزعيم.
لكن أغنية «الشاطر» تبقى أفضل «فنياً» من الأنشودة التي قدمها المنشد السلفي أبي عمار بعنوان «شيخ منعم الشحات»، في إشارة إلى الداعية السلفي المتشدد عبد المنعم الشحات الذي تحالفت ضده القوى الوطنية في انتخابات البرلمان، فرسب في عرينه في الإسكندرية، فصالحه المنشد السلفي بأغنية «شيخ منعم الشحات/ مكسبش الانتخابات/ وناس كتير شمتوا في الشيخ ده ليه بالذات/ لإنه رمز النور/ لإنه كان هايثور/ لإن قلبه جسور/ واقفلهم بثبات». لم يكتف أبو عمار بتأليف الأغنية بل فاجأ بها الشيخ أثناء استضافته في برنامج على قناة «الناس» السلفية، وواجهت الأغنية والبرنامج سخرية مجتمع الانترنت.
لكن كان لباسم يوسف حكاية أخرى. قدّم أغنيتين، واحدة تنتقد الإخوان، وأخرى تؤيد شبابها. الإعلامي الشاب قدم الأغنيتين في إطار الراب وبصيغة شبه كوميدية. النسخة الأولى الانتقادية تقول: «أنا إخوان/ ومش باشارك في الميدان/ وبحب اللف والدوران/ زي الإخوان بتوع زمان/ اقرا برنامجي/ أيوة انا كلامنجي/ أنا جد الجد/ إخونجي». أما الأغنية الثانية «المادحة»، فبدت كما لو أن غرضها خلق نوع من التوازن السياسي: «أنا إخوان/ يعني ما ليش في الندالة/ وعشان كده حزبي/ حزب الحرية والعدالة».
على غرار الشعارات الحزبية، تبدو أغنيات المنافسة السياسية أكثر ميلاً للمباشرة وتسمية الأشياء بأسمائها، وأكثر ابتعاداً عن البلاغيات. لكن أغنية «طب خد»، تكاد تكون الأشد في خطابها النقدي وألفاظها المستخدمة. تتناول الأغنية الاستفتاء الدستوري الذي انقسم حوله المصريون. آنذاك دعمت القوى الإسلامية التصويت بـ «نعم» مقابل «لا» التي دعمها الليبراليون. انتصرت «نعم» في الاستفتاء، لكنّ الإسلاميين دفعوا ثمنها لاحقاً أكثر من غيرهم، لجهة المواد التي أدت في النهاية لاستبعاد المرشح السلفي حازم أبو إسماعيل، فضلاً عن تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية. يمكن اعتبار أغنية «طب خد» (تعبير بذيء في العامية المصرية) نوعاً من الشماتة السياسية القاسية، تقدمها فرقة تسمّي نفسها «أشباح مصر». واتساقاً مع التسمية، لم تعلن بيانات أي من أفرادها، ولم يظهر أي منهم في الكليب الذي يعرض صوراً من الحياة المصرية التي أصابها التدهور نتيجة الاستفتاء. تكرر الأغنية لازمة «أنا قلت لأ، لكن انت قلت آه، طب خد». وبعد «خد» الأخيرة، تظهر كلمة تتغير كل مرة مثل «أمن»، «استقرار»، «تنمية». وتسخر الأغنية مما تحقق كل صعيد مما سبق «ياللي قلت نعم للتعديلات الدستورية/ فاكر إنك نبيه ودماغك عبقرية/ قالولك نعم جنة/ ولأة تبقى نار/ أدينا هايصين في الاستقرار/ قالك نعم غيرها مفيش/ واهو البرلمان اتملى دراويش/ البلد غرقانة ترامادول/ والناس مش لاقية سندوتش فول». يمكن تلخيص ما سبق بأنّ هناك حرباً غنائية توازي المنافسة السياسية في مصر. لكن على عكس نتائج الإنتخابات، يبدو الإسلاميون خاسرين على صعيد الأغنية.