دمشق | لم تتح الرقابة السورية الفرصة لصنّاع الدراما بمختلف مجالاتها، لكي يقدّموا شخصية المثليين جنسياً بطريقة حقيقية تسلط الضوء على ما يعانيه هؤلاء من نظرة المجتمع. كان المنع أو القصّ في المرصاد لأي محاولة تبغي تقديم هؤلاء، بحجة أنّه لا يمكن تمرير هذه الخطوط في الدراما التلفزيونية التي تدخل كل بيت، لكن يبدو أن المنع لم يعد حكراً على التلفزيون، فصنّاع السينما أيضاً تلاحقهم الرقابة وتتعرض تجاربهم للمنع.
لذا، كان بعض الدراميين يحتالون على الرقيب ويقدمون شخصيات مثلية من دون تسميتها على نحو مباشر، بل كان المخرج يقدّمها بطريقة توحي بأنها مثلية. وهو ما فعله نجيب نصير في معالجته الدرامية لمسلسل «خلف القضبان» الذي أخرجه الليث حجو، وقدم شخصية سيدة غنية ومثلية تحاول التقرب من فتاة فقيرة. كذلك، تعرّض فؤاد حميرة إلى موضوع تحويل الجنس في «شتاء ساخن» (إخراج فراس دهني)، لكن يبدو أنّ التجربة الشابة في سوريا ستكون أكثر نضجاً وجرأة وبعداً عن تنميطات شخصية المثلي جنسياً.
هكذا، تعكف الصحافية الشابة بثينة العوض على كتابة مسلسل تلفزيوني من ثلاثين حلقة يعتمد على مجموعة كبيرة من التحقيقات الميدانية التي أجرتها خلال عملها في أكثر من وسيلة إعلامية. وقد اختارت أن تفرد خطاً واسعاً من عملها للحديث عن العلاقات الجنسية غير المكتملة، وعن الكبت الذي يعانيه مجتمعنا. ويتطرق العمل إلى قصص نساء تعرضن للاغتصاب. كذلك ستخصص جزءاً يسيراً للحديث عن المثليات جنسياً، لكن يظل الحديث وتقويم هذه التجربة مبكراً على اعتبار أنها لا تزال في طور الكتابة، إلّا أنّ المخرج الشاب م. ك. دياب (محمد خير دياب) صوّر أخيراً فيلماً قصيراً بعنوان A Lesbian Tale (قصة سحاقيتين)، لكن باللغة الإنكليزية لأنه يعرف سلفاً رأي الرقيب في هذه المواضيع الحساسة، وخصوصاً أنّه قدم تجربتين مماثلتين تعرضتا للمنع. وكان دياب قد أنجز سابقاً فيلمين هما «الجنس البشري» و«جحيم الأرض» منعا من العرض في بعض الدول العربية، ومنها سوريا. أما «قصة سحاقيتين»، فهو أكثر جرأة على ما يبدو، لكونه يحكي قصة حب تجمع فتاتين. وعن هذه الفكرة، يقول مخرج الفيلم في حديثه مع «الأخبار»: «الشريط يحكي قصة حب تجمع الفتاتين، لكنه يركز على معاناتهما في مجتمع لا يتقبّل ذلك، إضافة إلى تحريم هذه الحالة دينياً، وتبعات ذلك على كل فتاة. كل ذلك من خلال عشر دقائق موسيقية درامية». وعن سبب تقديم الشريط باللغة الإنكليزية، يجيب: «حاولنا قدر الإمكان أن يكون الشريط حسياً وطريقة تصويره معبّرة، عسى أن نبتعد عن المباشرة. لكن الأمر محسوم بالنسبة إلى الرقابة العربية. مجرد الحديث عن فتاتين مثليتين بطريقة منفتحة، سيواجه المنع حتماً. وهذا الأمر لا حلّ له مهما التففنا عليه، لأنّنا نقدم فيلماً قصيراً قوامه قصة مثليتين، فكان لا بد من اختيار الإنكليزية».
من جهة أخرى، يؤكد دياب أنه لم يسبق له أن عرض الفكرة أو أدوار الشريط على ممثلات سوريات مشهورات، بل اختار أن يجسّد العمل ممثلون شباب، فكان الفيلم من بطولة روجينا رحمون، وديمة حشيشو، وعيسى صالح. وبعدما انتهى من تصويره منذ أشهر، صار العمل جاهزاً للعرض غالباً خارج الوطن العربي «كنت أود أن يعرض في سوريا قبل أي بلد آخر».
وعن الجهات التي تعاونت معه لإنتاج الشريط، يقول دياب إنّه أنتج عمله على نفقته الشخصية. مع ذلك، فقد خصص ميزانية تفوق ميزانية أي فيلم قصير في الشرق الأوسط، وكما هو متوقع، سرعان ما بدأ «قصة سحاقيتين» يثير الجدل قبل عرضه على المواقع والمنتديات. ويبدو أن الرقابة العربية، وخصوصاً السورية منها، ستظل تصم آذانها عن كل ما يحدث من تغييرات حولها، وسيستمر نضال القائمين عليها لكمّ الأفواه ومنع أي تجربة فنية تحمل الجرأة أو تترك لنفسها حرية الحديث عن الجنس الذي ما زال يحتل قائمة المحرمات.

لقد تم تعديل هذا النص عن نسخته الاصلية المنشورة بتاريخ 20 نيسان 2012