يحكي يوسف زيدان في روايته «محال» (الشروق ــ القاهرة) سيرة شاب سوداني الجنسية، مصري الهوى، يحلم بحياة هانئة. يصف كيف كان يقضي أيامه بين أسوان حيث يعمل مرشداً سياحيّاً وأم درمان. يبقى أسير المجتمع الذي لم يفهمه ولم يتفهّم رغباته وطموحاته. في هذا العمل، يحتلّ التخييل محلّ التخمين، ويسدّ الفجوات التي قد يُخلّفها نقص العلم حول موضوع معيّن، أو رغبة في تقديم الوقائع بطريقة روائيّة، بحيث يكون هناك تماس من دون تجاوز أو تحوير، أو محاولة كتابة التأريخ نيابة عن المؤرّخ، وإن كان صاحب «بوكر» مؤرّخاً بطريقته الخاصّة. يستهلّ الراوي توصيفه للحياة بالمحيّرة والمحتالة. يكرّر عدم اكتراث الحياة بأحد أصلاً. حين يعود الشاب إلى بيته في أمّ درمان، تحدثه أمه عن أخبار البلد وأخبار أبيه. تخبره متفاخرة بأنّ رجلاً صار يأتي بخرافٍ حيّة من جهة الشمال لشيخٍ في الخرطوم يقوم بإطعام المساكين. كان ذاك أسامة بن لادن الذي كان عائداً من أفغانستان، وينفّذ بعض المشاريع في السودان.
يكويه عشقه لنورا التي يتعرّف إليها ضمن فوج سياحيّ. يمضي معها أوقاتاً رائعة، يشعر بأنّ الحياة تبتسم له.

تبوح له نورا بعلاقة زوجة أبيها مع أحد أقاربها الذي تخطّط لتزويجها به. ثمّ تتصاعد المآسي بمرض أبيها، ولؤم زوجة أبيها، وخيانتها السافرة للأخير مع قريبها الليبي الذي يعمل في الاستخبارات ويقوم بأعمال مشبوهة في مصر بالتنسيق مع أطراف في الاستخبارات المصريّة ويسعى إلى تصفية معارضي القذافي أو اختطافهم بالتواطؤ مع تلك الأطراف.
كأنّ سيرة البطل اختصار لسيرة المنطقة والعالم. حين يحبّ يشعر بأنّه يمتلك كلّ شيء، يمسك بالأمس والغد. ثمّ تحلّ عليه الكوارث عام 1997. يضطر للسفر إلى الخليج للعمل. هناك، يتعرّف إلى فواز السوري الذي يسلّمه الفرع الجديد لشركته في أوزبكستان. يتوسّم فيه فوّاز خيراً لأنّه يسعى إلى إعطائه فرصة عملٍ أفضل في الفرع الجديد. خلال هذا العام الذي قضاه في الشارقة، يصف أوقاته في الخليج بالمرهقة والبطيئة، يتراءى له طيف نورا أمام عينيه، فتنحدر دموعه. يكرّر لنفسه بإحساس فجائعيّ أنّه سيكون مثل الفلسطينيّين الذين فقدوا وطنهم علانيّة أو مثل العرب الذين سلب حكّامهم أوطانهم من دون إعلان. حين يسافر إلى أوزبكستان، يتزوّج قريبة لزوجة فوّاز، يتعلّق بزوجته الفاتنة مهيرة ويحترمها. تتقاطع المصائب الشخصيّة مع الكوارث العامّة، أو تكون إحداها سبباً في الأخرى. هو الذي كان شاهداً على بعض التفجيرات المدبّرة، يصبح شاهداً على الخراب والدمار والجنون في أفغانستان بعد حصوله على فرصة للعمل هناك كمصوّر صحافيّ. لكنّ الاستخبارات الأميركية تلقي القبض عليه وتنقله إلى معتقل غوانتنامو. كأنّ الانتهاء بوصول البطل إلى هذا المعتقل بداية مرحلة أشدّ بؤساً واستحالة ومحلاً أو كأنّ هناك روايات لاحقة أليمة يمكن أن تستتبع.
في «محال»، يتناول يوسف زيدان مواضيع عديدة يقدّمها بحلّة مكرّرة مستعادة كالقدريّة والجبرية، والحرية والعبودية، والحب والحقد، والجنون والتعقّل، والجريمة والعقاب، والجلّاد والضحيّة. يعالجها عبر شخصيّاته المتباينة وعبر أمكنته التي يسوح فيها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، كأنّه تجوال بين الأقاصي.