جمهور الموسيقى اللبنانية على موعد غداً مع «الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية» في «قصر الأونيسكو»، بدعوة من الكونسرفتوار اللبناني وكليّة الآداب والعلوم في «الجامعة الأميركية في بيروت». قائد الأوركسترا أندريه الحاج، ارتأى أن يضيء على نتاج زكي ناصيف، والأخوين رحباني، وفيلمون وهبي، وتوفيق الباشا، وعبد الغني شعبان، وقد انضوى بعضهم تحت لواء «عصبة الخمسة» التي ضمّت توفيق سكّر أيضاً. تعود التسمية التي ظلّلتهم إلى «عصبة الخمسة» الروسية المؤلّفة من ريمسكي ـــ كورساكوف وبورودين وموسورغسكي وبالاكيريف وكْوي، ومثّلت حركة رومنطيقية وقومية في الموسيقى الروسية.
بدورها، مثّلت «عصبة الخمسة» في لبنان تيّاراً موسيقياً نهضوياً، وأظهرت خصوصيةً لبنانية في بوتقة الموسيقى العربية. حاول بعضهم تجاهل هذه الخصوصية، لكنّ النجاح الشعبي الذي حقّقته أعمال الأخوين رحباني وزكي ناصيف، ثمّ فيلمون وهبي، أوجبت الاعتراف بمدرسة موسيقية لبنانية مستقلّة عن التجربة المصرية المضيئة. جمع عاصي ومنصور ووهبي وناصيف بين النخبوي والشعبي، فيما جنح توفيق الباشا نحو أسلوب تأليف جذب «النخبة» أكثر. لعلّ طبيعة القوالب التي عالجها (موشّحات، وسمفونيات...) أبعدته عن المزاج والذوق الشعبيين.
أمّا عبد الغني شعبان، فمال إلى التجريب، وألّف مقطوعات شرقية داخَلَها الكونتربوان والهارموني، و«رباعيات» كان أحدها من فئة الـ«فوغ» fugue على مقام الراست، «وارتكز على مطلع أغنية «مين عذّبك» لمحمد عبد الوهاب»، كما كتب الباحث الموسيقي الأب يوسف طنوس في إحدى مقالاته.
ربّما لهذا انحصرت أصداء أعمال عبد الغني شعبان في حَلْقة أكاديمية، ورأى بعضهم أنّه انزلق نحو الإسقاطات البوليفونية. يُحسب للأوركسترا الشرق عربية إبرازها قوالب غنائية وآلاتية توشك أن تصبح في طيّ النسيان مثل «سماعي عشّاق» (عبد الغني شعبان)، وموشّح «بنت كرْم» لتوفيق الباشا. حاول أندريه الحاج «تقمُّص شخصية شعبان والباشا وناصيف الموسيقية أثناء إعداده برنامج الحفلة»، وأدرج الكلارينيت والأوبوا والفلوت traversière وألتوات عدّة (من عائلة الكمان) في الأوركسترا. لا تُعدّ هذه الآلات دخيلة على الموسيقى اللبنانية، فالكلارينيت اندمجت منذ أكثر من قرن في الآلات التي يُستعان بها لتأدية التراث والموسيقى الشعبية في جبل لبنان، فيما شرّع الأخوان رحباني لاستخدام الأوبوا في الأغنيات والتأليف الموسيقي العربي. للمرّة الأولى أيضاً، تستضيف الأوركسترا snare drum وآلات إيقاعية غربية (إبراهيم جابر)، وبيانو (إيلي حردان). يتخلّل البرنامج «يا بني أمّي» (كلمات جبران خليل جبران، وألحان زكي ناصيف) و«المدلي» الذي وزّعه أنطوان خليفة («رمشة عينِكْ»، و«نِزْلِتْ تِتْنقّل»، و«بربر آغا»...). على البرنامج أيضاً أغنية «يا مرسال المراسيل» (كلمات الأخوين رحباني، وألحان فيلمون وهبي)، ومقطوعة «إيقاعيّات» (فادي يعقوب) الزاخرة بالإيقاعات... الحفلة التي يشارك فيها غناءً توفيق كلش ولينا سلمان، وكورس «قسم الغناء الحديث» في الكونسرفتوار بإشراف بيار سميا، تفتح الباب لإدخال آلات غربية وشرقية وعربية (إضافية) إلى الأوركسترا الشرق عربية، وتحثّ على توسيع آفاق الكتابة الموسيقية لها على مستوى الإعداد والتوزيع والتأليف الموسيقي، ما يمثّل تحدّياً لإمكانات العازفين والمؤلّفين والملحّنين، ويُشبع جوع الأوركسترا إلى الجديد، بعدما كانت متقيّدة بنهج أكاديمي جرّدها من روحها العربية، وعاق تطوّرها. تَقدّم الأوركسترا يضع الحاج أمام مسؤولية مزدوجة. لا بدّ لانفتاح الأوركسترا واغتنائها آلاتياً أن يقترنا بسعي إلى تفعيل حضور الآلات العربية، وإعادة إحياء الموروث اللبناني والعربي الكلاسيكي والفولكلوري.



«الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية»: 8:00 مساء غد الخميس ـــ «قصر الأونيسكو» (بيروت). للاستعلام: 01/489530