في زيارته لكولومبيا عام 2009، كان الحبيب السالمي (1951) يسكن بالقرب من منزل غابرييل غارسيا ماركيز. هكذا قيل للروائي التونسي حين كان يلتقط لنفسه صوراً على شاطئ الكاريبي. حاول صاحب «أسرار عبد الله» أن يرتّب للقاء يجمعه بأشهر روائي في العالم، إلا أن مرض صاحب «نوبل» حال دون ذلك. «قصتي مع ماركيز تعود إلى المراهقة». يفشي لنا سرّ سرقته «مائة عام من العزلة»: «كان ثمة مكتبة صغيرة في قريتنا النائية، أذهب إليها أثناء الدراسة. في أحد الأيام، لمحت الكتاب بترجمته الفرنسية على الرف. أخذته، ووضعته داخل قميصي، ثم خرجت وكأن شيئاً لم يكن».
السالمي الذي التقته «الأخبار» عشية الإعلان عن الفائز بـ«الجائزة العالمية للرواية العربية» (بوكر) في أبوظبي قبل أسابيع، يحنّ إلى تلك الأيام. أيام الحبيب بورقيبة الذي أطلق العنان للثقافة، ورفع الرقابة عن الكتب. لو كان حكم بورقيبة مستمراً، لما كتب السالمي ربما روايته «نساء البساتين» («الآداب» ـ 2011) التي أوصلته إلى القائمة القصيرة من «بوكر» هذا العام. تصف الرواية التحولات التي عصفت بتونس منذ إعلان زين العابدين بن علي نفسه رئيساً بدل بورقيبة حتى اليوم. ورغم أن «نساء البساتين» صدرت قبل «ثورة الكرامة»، إلا أن قراءة سريعة للرواية تكفي لفهم الأسباب التي دفعت محمد البوعزيزي إلى إحراق نفسه. اليوم، لا يبدو صاحب «جبل العنز» متفائلاً بمستقبل تونس، خصوصاً مع وصول الإسلاميين إلى الحكم. «البلد يتراجع كأنّ الثورة لم تكن مكسباً نهائياً». يرى السالمي أنّ على المثقف التونسي أن يكون حذراً في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة. «من حق الإسلاميين أن يتواجدوا في الحكم بعدما اختارتهم أغلبية الشعب. ومن حقنا ككتّاب أيضاً أن نناضل للحفاظ على حداثة الدولة وعلمانيتها». هكذا، يبلور السالمي رؤيته التي تتسم بدعم شباب الربيع العربي، إلى جانب مساعدة المرأة في استعادة حقها بالتواجد في كل الميادين.
من مكان إقامته في فرنسا، يحاول صاحب «صورة بدويّ ميت» أن يغيّر الصورة النمطية للإنسان العربي في أوروبا. الاشتغال على هذا الموضوع بلغ ذروته في «روائح ماري كلير» التي وصلت أيضاً إلى قائمة «بوكر» القصيرة في دورة 2009. إقامته في بلاد النبيذ والعطور، فتحت له نوافذ جديدة لرؤية العالم. صار أكثر جرأة، وتخلّص من الرقيب الداخلي الذي يلازم الكتّاب العرب. سمح له «الجو الثقافي» في فرنسا بأن يكتشف «كل الأدب العالمي». هكذا، وجد نفسه بعيداً عن الأساليب الكتابية الرائجة في الوطن العربي. «الرواية بالنسبة إليّ تنبني على حدثين أو ثلاثة، وهي ليست حدّوتة أو حكاية واحدة ذات فروع عديدة». لكن، هل يعني هذا أنّ السالمي في قطيعة مع الأدب العربي وكتّابه؟ يجيب: « لم تنجب تونس سوى كاتبين مهمّين. الأول هو محمود المسعدي الذي اقتفى أثر التراث في أعماله، والثاني هو البشير خرّيف الذي كتب رواية واحدة فقط هي «الدقلة في عراجينها»». يؤكد صاحب «حفر دافئة» على أهميّة حركة النقد العربي. «لا بدّ من هذه الحركة التي يقودها كتّاب منخرطون في ورشة الإبداع الروائي اليوم، مثل محمد برادة وفيصل درّاج ويمنى العيد. عمل هؤلاء إلى جانب الكتّاب يؤسّس للرواية العربية الحديثة». لكن الرواية، وربما الأدب بمجمله، ليس موجّهاً لعامة الناس. هذا ما يراه السالمي الذي يتبنّى نظرية «نخبوية الأدب». «لا يمكن لغير المتضلعين من مسائل الثقافة والكتابة، أن يثيروا الأسئلة الحقيقية». اليوم، يبدو السالمي سعيداً بما قدّمته له «بوكر» رغم أنه لم يفز بها. بعد ثماني روايات ومجموعتين قصصيتين، ترجم بعضها إلى الإنكليزية والفرنسية، لا يزال السالمي في استكمال مشروعه الكبير: الكتابة، وقد شارف على الانتهاء من عمله الجديد. نسأله عن التفاصيل، لكنّه يفضل إحاطة مشروعه بالكتمان لغاية عرض الرواية الجديدة في المكتبات.