يضع إبراهيم وطفي (1937) أرشيفه الشخصي من رسائل الأصدقاء إليه (من بينها رسائل من أدونيس، وزكريا تامر) في متناول الجميع «من دون كذب أو تحريف»، مؤكداً على حق المرء في الشيخوخة بأن يقول كل ما لديه، ومن دون أقنعة، وفتح الأبواب المغلقة لنبش الأرشيف الخاص للكتّاب العرب، معتبراً أن الحياة اليومية الخاصة بالكاتب هي مادة خام للكتابة. والكتابة هي عمل على الحياة الخاصة. ويتساءل: «ماذا حدث لمخطوطة يوميات سعد الله ونوس؟». دافعه إلى نشر هذه الرسائل، كما يقول، هو مواجهة «ثقافة المكبوت والمضمر والمحظور»، وإعلاء شأن الأدب الوثائقي الذي يلقى اليوم اهتماماً عالمياً، وما هذه الرسائل إلا مسودة وثائقية لرواية صادقة، لم تهمل تفصيلاً. ذلك أن هذه الرسائل، هي في نهاية المطاف، «تعبير عن تفكير ورؤية جيل، كان يتطلع إلى فضاء فكري آخر، يضعه على عتبة أخرى». في تحليله لشخصية صاحب «طقوس الإشارات والتحولات»، يشير ابراهيم وطفي إلى «حبّه للظهور لديه، والشكوى الدائمة» على رغم الفرص الاستثنائية التي أُتيحت له، سواء في السفر، أو المناصب، أو الجوائز «لا أعرف وضعاً مثالياً أكثر بالنسبة إلى أي كاتب في العالم» يقول.

ويرى أن نشأته الأولى تركت بصمتها على نمط حياته، إذ لم يختبر الأعمال الخشنة، كما أقرانه في الريف، بل قضى شبابه الأول بين الكتب، والتسكّع. وظلّ رجلاً شرقياً في علاقته بالمرأة، وقد لعبت شهرته دوراً أساسياً في ثقته بنفسه وجرأته تجاه النساء «لكنني أعتقد أن سعد الله لم يحب امرأة طوال حياته، ولم يكتب رسائل غرامية، ولم يستطع إقامة علاقة روحية صادقة، لا مع امرأة ولا مع صديق». المبالغة في تضخيم دوره كمثقف وانخراطه في الهمّ العام وقضايا النهضة والثورة وفلسطين قادته إلى طريق مسدودة بحسب ابراهيم وطفي «ولم يكتشف كم كانت هذه الكلمات مجرد شعارات سوى في وقت متأخر»، حتى أنه اعترف مرّة قائلاً «فلسطين سرقت حياتي... فلسطين قتلتني». هكذا توقف عن الكتابة نحو عشر سنوات، ليعود بعدها في أوائل التسعينيات إلى اكتشاف ذاته، وإعادة النظر في حياته ومواقفه وأفكاره. يشير وطفي هنا إلى مسرحية «الاغتصاب» التي أثارت لغطاً كبيراً أثناء عرضها لجهة موقفه من الصراع العربي الإسرائيلي (أخرجها جواد الأسدي)، ويكتب في هامشٍ خاص «ندمت على قراءة مسرحية «الاغتصاب» وذلك ليس لأسباب سياسية، وآمل أن يقوم مختص رصين، يوماً ما، بدراسة البعد الذاتي في أعمال سعد الله ونوس الأخيرة».