فجأة، يظهر خبر على موقع تويتر عن ورقة وقّعها العديد من الأسماء تطلب ترشح اللواء عمر سليمان للرئاسة في مصر. ناقل الخبر على تويتر يرفق رابط فيديو لتأكيد النبأ. الرابط يحيل إلى موقع يوتيوب. وبتشغيل الفيديو، يمكن مشاهدة الخبر منقولاً عن شاشة إحدى الفضائيات. وبمتابعة الفيديو، يعرف المشاهد أن الورقة المقصودة في الخبر جرى تداولها مسبقاً على موقع فايسبوك، بالذهاب إلى فايسبوك يحيلك المستخدمون إلى قناة تلفزيونية أخرى، تتصل القناة بأحد «الموقعين» فينفي الخبر.
يقال إنّ المعلومات الأكثر من اللازم تؤدي إلى معرفة أقل. لكن يبدو أنّ تعدد مصادر الأخبار أكثر من اللازم كفيل أحياناً بصنع خبر من لا شيء، يكفي أن يدفع أحدهم طرف «الخبر» داخل أي مصدر خبري حتى يدور مع الدائرة، فتتحول الشائعة إلى خبر أو الخبر إلى شائعة. والأغرب أن يدور الخبر وتكذيبه معاً أو حول بعضهما كما في باب دوار. هكذا تنتشر مثلاً شائعة وفاة فنان ويتمّ نفيها في اليوم نفسه، لكن العزاء يتواصل على فايسبوك لأيام. ومع تلاحق الأخبار، قد تتراكم مجموعة كاملة من الأخبار غير الصحيحة عن موضوع أو شخص بعينه، بل قد يستمر ذلك التراكم لشهور. وإذا أضيف ذلك إلى حقيقة أن ثقافة التلقّي ضعيفة في عالم عربي ترعرع في ظل الأكاذيب الرسمية، فإن المحصّلة تجعل تمييز الخبر الصحيح عن الخاطئ كالبحث عن إبرة في كوم القش أو للدقة: البحث عن إبرة أصلية في كومة زائفة.
بعد إعلان عمر سليمان الترشح للرئاسة، أعلن التلفزيون المصري في الليلة نفسها أنّ مرشح الإخوان المسلمين خيرت الشاطر قد تنازل لمصلحة سليمان، وأن رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق قد تنازل للشخص نفسه. ورغم غرابة الخبر ـــ في ما يتعلق بالمرشح الإخواني ـــ فقد انتشر في كل مكان قبل أن يتضح أنّ له أصلاً في ... فايسبوك! وذلك «الأصل» لم يكن سوى خبر تمت فبركته على سبيل السخرية لا أكثر، إذ وضع مع الخبر رابط لا ينفتح على شيء. هل أخذ التلفزيون الرسمي الخبر من هناك؟ لا أحد يعلم، على الأغلب، كان هناك وسطاء مر عبرهم «الخبر» من فايسبوك إلى «ماسبيرو». لكن إلى أن تم نفي الخبر، كان قد شغل كل المواقع الاجتماعية وأشعل آلاف النقاشات وأنتج عشرات النظريات!
من أين يبدأ الخبر؟ سؤال يبدو ضرورياً ومحيراً اليوم لأن المستخدم يقضي معظم وقته على جهات تستقبل الخبر وتبدأ تدويره، تحققت نبوءة بيل غيتس وأصبح الانترنت هو تلفزيون العصر. الخبر الذي تبثه «الجزيرة» لم يعد المتلقي يشاهده على شاشة المحطة، ولا حتى على موقعها الرسمي بل يتلقاه منقولاً عبر فايسبوك وتويتر، ويشاهد تفاصيله عبر فيديو على يوتيوب، وكلمة «عاجل» بالحروف الكبيرة أصبحت أيقونة مميزة للخبر على حوائط المواقع الاجتماعية أكثر منها على الشاشة الأصلية. وبينما يستلزم بث خبر على شاشة تلفزيون أو وكالة أنباء وقتاً للتحقق من صحته، فإن الصحافة الشعبية تنقل الخبر لحظة وقوعه حرفياً. كما أن روادها يدخلون كثيراً حيث لا تدخل الكاميرات، فأصبح معتاداً في القاهرة أن تبث وقائع المحاكمات من داخل القاعات عبر أجهزة الهاتف والـ«بلاك بيري»، بينما يقف مراسلو القنوات في الخارج يتوسلون السماح لهم بالتصوير. ويعرف دارسو الإعلام أنّ للخبر شروطاً للتحقق منه، لكن اليوم، حيث كل مواطن هو صحافي، تبدو الحاجة ملحة إلى ابتكار معايير إعلامية تواكب عصر البث الشعبي.