تأخر صلاح ستيتيّة (1929) في الجهر بشعره حتى بلغ الثالثة والأربعين، لكنّ باكورته «الماء البارد المحفوظ» التي أصدرتها دار «غاليمار»، وضعته فوراً في الصفوف الأولى. قبل ذلك، نال شهادة الحقوق من «الجامعة اليسوعية» في بيروت، وحصل على منحة للدراسة في «السوربون». الدراسة في باريس أدخلته قلب الحياة الثقافيّة والشعريّة.
حظي بصداقاتٍ شعرية مع جورج شحادة، ورينيه شار، وسيوران، وإيف بونفوا. قراءة الآخرين جعلته يتهيّب الشعر. هكذا، ظلّ الشعر سرّه الأكبر، إلى أن عثر على صوته الخاص أو «طهارته الخاصة» بحسب تعبيره.
تعوم قصائد ستيتيّة بين ضفتين، تمتزج مخيلة عربية أصيلة بنبرة فرنسية مدهشة. أعطى صاحب «حَمَلَة النار» اللغة الفرنسية وأخذ منها، منجزاً قصيدة مُحْكَمة ومتأمِّلة. بالنسبة إليه، «الشعر هو إخراج شبكة عنكبوت من عتمتها من دون قطع خيوطها الواهية». السعيُ إلى كتابةِ شعرٍ صافٍ تتحرك في داخله أبديةٌ مكتومة، جعله شاعراً مقلّاً وشاقاً. هكذا، محا الشاعر الثمانيني أكثر مما كتب. ذهب إلى الخلاصات والأسرار السحيقة للمعاني والاستعارات. وجد فيه كثيرون صمت مالارميه وتقشف شار، ولكن على خلفية مشرقية وصوفية. حصل ستيتيّة على كل ما طمح إليه تقريباً: نال جائزة «ماكس جاكوب» (1982)، و«الجائزة الكبرى للفرنكوفونية» (2006) على مجمل مؤلفاته الشعرية والنقدية، ثم أُضيف اسمه إلى معجم «لاروس» الشهير. إلى جانب سيرته الشعرية، اشتهر بعمله في السلك الدبلوماسي مستشاراً ثقافياً في السفارة اللبنانية، ومندوباً دائماً في منظمة الأونيسكو، ثم سفيراً وأميناً عاماً لوزارة الخارجية اللبنانية.
رغم حضوره المرموق في فرنسا، يكاد يكون غير مقروءٍ بالعمق المطلوب في لغة الضاد. إنه اسمٌ وماركة شعرية أكثر من كونه شاعراً نحفظ قصائده ونضعها في مكانها الصائب. لم ينشر ستيتية شيئاً بالعربية، لكنه لا يزال ميالاً إلى وصف أدونيس له كـ«شاعرٍ عربي يكتب باللغة الفرنسية». لعلّ حضوره بيننا في بيروت مساء اليوم في «الجامعة اللبنانية الأميركية»، بدعوة من «مركز التراث اللبناني» و«مكتبة البرج»، فرصة للتعرف إلى قصيدته عن كثب، والإصغاء إلى قوة كلماته وشفافيتها بصوته هو، وبترجمات موازية لها بالعربية. فرصة لقراءة الشاعر الذي «سكب مياهاً عربية في نهر السين»، وسكن في «اللغة» التي أعطته وطناً آخر، غير الوطن الذي يعود إليه بين الحين والآخر، ليقرأ فيه قصائده.



«صلاح ستيتيّة في أمسية من شعره ونثره»: 7:00 مساء اليوم ـــ «الجامعة اللبنانية الأميركية» (قريطم ـــ بيروت). للاستعلام: 01/786464