«ماذا يفعل الفنان في بحيرة الدم؟». بهذا السؤال الاحتجاجي والموجع يقدم يوسف عبدلكي لمعرض «فنانون من سوريا اليوم»، الذي اختتم أخيراً في «كتانة كونيغ» في بيروت، وشارك فيه 16 فناناً سورياً. سؤالٌ لطالما طُرح في أوقات مماثلة. ألم يكتب بريخت يوماً: «لن يقولوا كان زمناً سيئاً، بل سيقولون لماذا صمت الشعراء؟». في القضايا الكبرى، يجد الفنانون أنفسهم مطالبين بطرح أسئلة الواقع المتفجر. يصبح الخيال ترفاً أمام دماء الضحايا. يتقدم الموقف السياسي والأخلاقي على الحساسيات الفنية والشعرية، وتصبح الأعمال التي تعكس هذا الموقف مقبولة وممتدحة حتى لو كانت محكومة ببعض الركاكة.
داخل هذا التصور، يمكن استقبال اللوحات والمنحوتات المعروضة على أنها انعكاس للمشهد المتفجر في سوريا. هكذا، يُقرن عبدلكي سؤاله الجارح بلوحتين كبيرتين: في «شهيد من درعا»، نرى طفلة مقتولة فوق جثة أبيها، بينما الدم الأحمر قانٍ أكثر على الخلفية الداكنة للجسدين المرسومين بالفحم. وفي الثانية سكين مشحوذة تختزل الوضع السوري الراهن المفتوح على القتل. في لوحة طارق بطيحي نرى كتلة تجريدية بثلاث مساحات قبل أن نكتشف أن الكتلة قتيلٌ مدمّى. يتكرر ذلك في لوحة هبة عقاد عبر امرأة مرسومة بأجساد نساء أصغر، وتحتها جثثٌ مسجّاة على مرأى من ذويها. تخلو لوحة إدوار شهدا من الدم، لكنها ممنوحة لرجلٍ عارٍ يجاهد للنهوض عن الأرض. المواربة موجودة في لوحة عبد الله مراد. كأن المساحات الصفراء المخترقة بلطخات سوداء ورمادية تُحاول النأي بموضوعها الآمن عمّا يحدث اليوم من قتل. مثلهما يفعل المصور نصوح زغلولة، فيعرض لوحة فوتوغرافية لشباك قديم تتسلقه ياسمينة دمشقية في إشارة إلى ربيع قريب. لوحة ناصر حسين شاغرة إلا من كلب مسعور في كناية تشكيلية عن الغرائز الفالتة، بينما يحشد غسان نعنع لوحتيه بكتل بشرية تذكرنا بالتظاهرات وتشييع القتلى. ويعرض الخطاط منير شعراني لوحة تحتلها «لا» كبيرة مؤلفة من لاءات أخرى داخلها: «لا للقهر، لا للخوف، لا للمهانة، لا للفساد»، وفوقها مربع دموي كُتب فيه: «نعم للحرية». لوحة جابر العظمة تنقسم إلى مستويات باللونين الأسود والأحمر لأجساد في حالة اعتقال وتعذيب، بينما يستعيد ياسر صافي في لوحته «غرفة بملايين الجدران» قصيدة محمد الماغوط عبر زنزانة تحتوي على رؤوس مقطوعة. الرأس المقطوع مصنوع من الطين في منحوتة يامن يوسف. إيحاءاتٌ مماثلة نراها في لوحة فادي يازجي الذي يضع رأساً مقطوعاً في صحن، وقربه رأس آخر وأيدٍ مقطوعة، أخيراً، اللوحات المعروضة نماذج راهنة ممّا يحدث في المحترف السوري الذي لم يتوقف فنّانوه عن الإنصات إلى حركة الواقع وتوثيق آلام الناس بأساليب وحساسيات مختلفة.