القاهرة | نائب معيّن في مجلس الشعب يريد أن يراقب البرلمان مواضيع المسلسلات الدرامية التي ستعرض على شاشات التلفزيون المصري في رمضان المقبل، بل إنّه طلب أن يظهر عمرو دياب في أحد المسلسلات وهو يصلّي! هذه المرة، ليس النائب من الإخوان المسلمين ولا من حزب «النور» السلفي، ولا ينتمي إلى أيّ تيار سياسي، لأنّ ياسر صلاح القاضي الذي تقدم بطلب إحاطة لوزير الإعلام حول مضمون مسلسلات رمضان المقبل يمثّل واحداً من النواب العشرة المعينين في مجلس الشعب المصري.
علماً أنّ رئيس الجمهورية (يحل مكانه حالياً المجلس العسكري) يعيّن عادةً عشرة أعضاء إلى جانب النواب المنتخبين من أجل التوازنات المطلوبة داخل المجلس. وقد جرت العادة أن يكون معظم العشرة من الأقباط والنساء، وهما الحلقتان الأضعف في المجتمع المصري، اللتان لا تنجحان في الانتخابات النيابية بسبب الاستقطاب الطائفي والذكوري.
وبالتالي، ليست مهمة النائب المعين أن يتقدم بهذه النوعية من الطلبات، وخصوصاً أنّ صوت ياسر القاضي لم يسمع طوال الأسابيع العشرة الماضية منذ انطلاق البرلمان إلا في قضية التمويل الأجنبي التي كان يرعاها المجلس العسكري أيضاً، لكن الأهم أنّ النائب نفسه متهم في قضايا فساد، وكان من القادة المغمورين في الحزب الوطني المنحل. وفور تعيينه، تقدم بعض المواطنين ببلاغات ضده إلى رئيس البرلمان سعد الكتاتني، مطالبين بسحب القرار. هذه المقدمة السياسية، تفسر سبب تقديم هذه الفئة من النواب هذا النوع من الطلبات، في وقت ينشغل فيه الشعب المصري بمتابعة كتابة الدستور من جهة، وانتخابات رئاسة الجمهورية من جهة أخرى.
الكل يطمح إلى أن يُنتخب الرئيس الجديد في 21 حزيران (يونيو) المقبل، لتهدأ الأوضاع ويصبح المناخ ملائماً لمشاهدة مسلسلات رمضان، لكنّ سلاح إلهاء الرأي العام ما زال فاعلاً كما يبدو من تصرف النائب المشكوك في ذمته المالية، حسب البلاغات المقدمة ضده. وما يؤكد الحجج الواهية التي يسوقها ياسر القاضي أنه يعرف جيداً حسب تصريحاته لجريدة «الشروق» أنّه لا سلطة للبرلمان على الفضائيات الخاصة، فيقول إنّ كلامه موجه إلى التلفزيون الحكومي. كأنّ منع المسلسلات التي يرى أنّها «تدمر الهوية المصرية» وتشغل الناس عن القضايا المهمة عبر شاشات «ماسبيرو»، يعني منع الجمهور من الوصول إليها، بدلاً من أن يطالب بعودة التلفزيون الحكومي إلى دوره الإعلامي. يريد القاضي أن يعرض وزير الإعلام على البرلمان المسلسلات التي اختارها للعرض في رمضان، ويبثت أن نسبة الأعمال الدينية والأخلاقية والتاريخية مرتفعة، وليس هناك مسلسلات «لا تنحدر بالذوق العام». وحتى يصل بفكرته إلى الجمهور، قدم اقتراحاً بأن يكون هناك مسلسل يظهر فيه عمرو دياب وهو يصلي، وبالتالي سيتخذه الشباب قدوة!
هكذا أراد النائب المعين الذي لا ينتمي إلى التيار الديني أن يعيد الدراما والفن إلى مرحلة الإرشاد، ولم يهتم بأنّ مكانة مصر الإعلامية لا تتناسب مع تاريخها وتأثيرها في المنطقة. ولم يسأل عن مشكلات العاملين في التلفزيون الرسمي، الذين يعتصمون كل يوم بحثاً عن العدالة الاجتماعية. لقد ألّف بنفسه لجنة رقابة يعرف جيداً أنها بدون جدوى، وتخيل أنه منتج وسيناريست فكتب مشهداً يصلي فيه عمرو دياب. والخطوة التالية هي أن يذهب وزير الإعلام أحمد أنيس إلى البرلمان للردّ على القاضي، والتأكيد أنّ التلفزيون يختار مسلسلاته جيداً، ويعرف كيف يحافظ على الذوق العام، وإما أن يصمت القاضي ويكتفي بهذا «الشو»، لكنّه يستطيع أيضاً أن يواصل عبثيته بالطلب من الوزير عرض مشاهد من المسلسلات المنوي عرضها في رمضان على شاشة التلفزيون المصري كي يستمتع نواب البرلمان بمتابعة مقدماتها الإعلانية، فإذا أجازوها أصبح من حق الشعب أن يشاهدها، أو ينتظر ياسر القاضي حتى نهاية رمضان، ويقدم إلى البرلمان نتيجة تفرغه طوال الأيام الثلاثين لمتابعة مسلسلات التلفزيون المصري، ويحدد قائمة بالمشاهد والحوارات التي يراها أنها تنحدر بالذوق العام، مع الوضع في الاعتبار أن القاضي قال في تصريحاته إنّه لا يستهدف فقط المشاهد الإباحية، التي لا يعرضها أصلاً التلفزيون المصري.
ويعرف الجميع أنّ معظم المسرحيات والأفلام الشهيرة تعرض بعد حذف دقائق عديدة من الشريط الأصلي، ليس فقط على تلفزيون مصر، بل على القنوات المملوكة لرجال أعمال خليجيين أيضاً.
ويبدو أنّ صناع الدراما المصرية باتوا مضطرين إلى تقديم مسلسل عن هذه الفئة من النواب حتى يعرف الجمهور كيف يفكر من يجلسون تحت قبة البرلمان.