في المساحة الافتراضية، كمساحة قصوى لشبك وإنتاج الخبر أو تفتيح الوعي على الثقافات أو بناء تماسات شعورية تتجاوز المجاري والتقسيمات التقليدية للعلاقات بين الأعراق والفئات والأفراد، ينصح رجلُ دينٍ، من جملة توجيهات لا حصر لها (فيديوهات تلفزيونية أو خطبٌ تجري مشاركتها على الموقع أو "بوستات" على الصفحة الرسمية)، المرأة والرجل، بكراهة الأكل في الشارع أو بكراهة المشي وسط الشارع للمرأة أو بتجنب الخروج لشراء حاجات البيت! ويحذّر آخرُ الرجلَ من إبداء الإعجاب بصور النساء على فايسبوك بحجة «الإشكال الشرعي».يوماً بعد يوم، توغل وسائل التواصل الاجتماعي (فايسبوك تحديداً) في أشكلة العلاقة بين الأفراد أو التكتلات الاجتماعية، بعضها ببعض، تعقيداً أو تبسيطاً أو كشفاً لأنماط من السعي إلى الهيمنة. أنماط كانت إلى وقت قريب معمّاة أو غير واقعة في مجهر النقد العلني لغير سبب. هذه الأشكلة تتفاوت من جانب ظهورها في وسائل التواصل الاجتماعي، وأمداء انتشارها وملاحظتها على الشبكة تبعاً لراهنيّة الموضوع المطروح أو نوعيته أو المجال الذي يكون فيه هذا الموضوعُ مادة للأخذ والردّ، من دون أن نغفل أن الثيمات التي تتصل بثالوث الدين والجنس والسياسة تبقى المواضيع الأكثر اتصالاً في ما بينها، والأكثر فتحاً للجدالات بمجمل أبعادها ومستوياتها، وتحديداً في البلدان التي نعرف أن هذا الثيمات مدرجة في في خانة «التابو».
لا يكتفي رجل الدين بكونه المهيمن على الفضاء الواقعي الخارجي بالترسيمات التشريعيّة، التي هي بالنتيجة موروث الأعمّ الأغلب من الناس في البيئات المستهدفة. السعيُ يندفع، وهذا ما يبدو متصاعداً باطرادٍ هذه الأيام، كي تكون الهيمنة مشبوكة بالفضاء الافتراضي (فايسبوك) الذي قد يتوهم الفقيه (الصاعد غالباً) بأنها الأداة الأقل كلفة من حيث الجهد والأكثر مرونة وفعالية في تسويق ترسيمات الهيمنة المكرسة خارجاً. بطبيعة الحال، لا تجابه هذا الطبقة صعوبة قصوى في بناء شبكة من المريدين الافتراضيين، فأغلب المريدين هم، في النتيجة، نتاج الوعي الجمعي التقليدي والحضور النفسي التلقائي البديهي للموروث على مستوى الفرد والجماعة.
إلا أن الالتباس الذي يؤسس نقاشاً في المشهد الافتراضي هو قدرة هذا الفضاء على التفلت، عبر أفراد أو مجموعات عادية وقارئة بنهم وتسعى لاكتساب وعي فرديّ مغاير. أفراد ليسوا بالضرورة محكومين أو مستلبين بالقواعد الدعوية الجهوية الموروثة عند الفقيه في ما يتصل بالتمريرات الأخلاقوية الدينية التي يحكمها التأصيل والتقليد في البيئات الواقعية. إنهم أفراد محتجبون ومرئيّون ساطعون في آن واحد وقادرون، في وجه من وجوه القول، على بلبلة تأثيرات الثيمة الموروثة نسبياً، بالحجة أو بنبش القول المستور والفارق واللاعقلاني وتعريضه للعلانية. إنه تأسيسٌ لجدلٍ ظلّ، في أقل الأحوال، منحسراً ومعرّضاً للإقصاء بالسلطة والقهر المعنوي.
عملياً، لا ينتبه رجل الدين إلى شروط جدية يحيل إليها مفهومُ هذا المنبر الافتراضي، فهذا المنبر كأداة للدعاية والتوصيل أوكوسيلة للهيمنة أيضاً، لا يندرج في تكوينه مفهومياً في سياق تكوينات المنابر التقليدية. هو، تالياً، يفترض على الداخل أن يعيَ شروط هذا المنبر والتواءاته ومنزلقاته وتحفيزاته. في غياب هذا الوعي، قد يكون في وسع هذه المساحة الافتراضية تعريض أي خطاب موروث أو تقليدي أو حتى راهن بالمعنى المعجمي والثيميّ لأن يكون ــ في الحد الأدنى وبشروط التعليق المباشر والجدل الجانبي وطبيعة المشاركات القادرة على التفشي أفقياً وعمودياً ــ خطاباً فاضحاً للقائل وحاسراً له.
لا نقول إن الذي يجري في هذا الفضاء يصل حد قلب الطاولة على هذا الشكل أو تلك الأنماط من الرؤية والاستثمار في الموروث، إلا أن ما يجري هو، بالتأكيد، تسليط نسبيّ للضوء على مستويات جلية من التهافت في آليات السعي إلى الهيمنة على مساحات الأفراد الخاصة والعامة ــ شباناً وشابات في الغالب ــ بالخطاب الشرائعي التقليدي الذي نعرف أنه خطاب مؤسّس في الأصل ضمن سياقات تاريخية صراعية تتحمل البيئات الراهنة وزرها الأكبر.