تونس | منعت جليلة بكار (1952) من دخول فلسطين. الممثلة المسرحية والكاتبة التونسية، كان من المقرر أن تشارك الثلاثاء الماضي في احتفال تسليم «جائزة محمود درويش للحريّة والإبداع» التي حازتها هذا العام، إلى جانب الشاعر الفلسطيني المقيم في الأردن زهير أبو شايب. لكنّ الفنانة الملتزمة لم تستطع الوصول إلى «قصر رام الله الثقافي» بعدما امتنعت سلطات الاحتلال عن منحها إذن دخول. لكنّ لجنة التحكيم منحت بكّار الجائزة، تقديراً لإيمانها بأنّ «المسرح فعل وجود. وفعل جماليّ مقاوم، ينشد تأثيث ذاكرة المستقبل بما يتعالى عليه من جراحات بني البشر وعذاباتهم».
بطلة «جنون» تسلّمت الجائزة من بعيد. بعثت برسالة مصوّرة جاءت مشحونة بالمشاعر، وبدا واضحاً تأثرها بدلالة اسم درويش ورمزيّته في المخيال العربي والتونسي، وفي وجدانها كفنانة ملتزمة ومسيّسة. عبر الشاشة، تكلّمت جليلة: «منعوني، ظانين أنّ فلسطين بلد عادي، له حدود تقفلْ، وله شعب يحبسْ، وحارس بيده مفاتيح، يقرّر من له حقّ الزيارة ومن يرفضْ. لكنّهم ضالّون، أغبياء لا يفقهون؛ ففلسطين ليست أرضاً فقط. هي بلاد لا حدود لها، كفكرتنا عن المجهول ضيّقة وواسعة».
حكت جليلة بلسان تونس الثائرة، بلسان بلاد البوعزيزي، مخاطبةً صديقتها عايدة اليافويّة التي جعلتها بطلةً لمسرحيتها «البحث عن عايدة»: «لو كنتُ عصفورة، لأخذتك على جناحيّ وطرت، ولرفرفت بك على أرض فلسطين، محلّقة فوق سهولها وتلالها، جبالها وحقولها، تينها وزيتونها، من حيفا إلى نابلس، ومن القدس إلى يافا، ولوقعنا على غصن شجرة البرتقال، في بستان بيتكم في حيّ الرشيد في يافا، ولغنّينا أنشودة الحياة، إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بدّ أن يستجيب القدر».
سؤال الحريّة ليس جديداً على جليلة بكار. طرحته طوال مسيرتها عبر كتاباتها المسرحية مع رفيق دربها المخرج المسرحي والمؤلف الفاضل الجعايبي من خلال مقاربة جمالية تحفر في سؤال «الآن وهنا». غاصت في المكبوت السياسي والنفسي والاجتماعي، فجاء مسرحها، يشبهنا تماماً، في ضعفنا وحزننا وانكسارنا، وأحلامنا في مطلع الألفية الثالثة. كانت فلسطين السؤال الحاضر الغائب دوماً في العديد من أعمالها، منذ بدأت رحلتها باكراً مع مجموعة «المسرح الجديد».
تعدّ جليلة بكار من أبرز وجوه المسرح التونسي. بدأت رحلتها مبكراً مع «المسرح الجديد» عام 1976. مع الفاضل الجعايبي، والفاضل الجزيري، ومحمد إدريس، ورؤوف بن عمر، والشاعر الراحل الحبيب المسروقي، قدمت أعمالاً مسرحيّة مرجعيّة منها «العرس»، و«غسالة النوادر»... لتستقلّ لاحقاً مع الفاضل الجعايبي والحبيب بلهادي مطلع التسعينيات في تجربة جديدة، هي فرقة «فاميليا». قدّمت الأخيرة مجموعة من الأعمال الجماهيرية، آخرها «يحيى يعيش» الذي عرض في «مهرجان أفينيون» الفرنسي العام الماضي. كذلك، راكمت الفرقة ريبرتواراً مهماً من الأعمال، مثل «كوميديا»، و«فاميليا»، و«سهرة خاصة»و«عشاق المقهى المهجور»، و«البحث عن عايدة»، و«جنون» و«خمسون»...
ناضلت جليلة بكار طويلاً من أجل حريّة التعبير، وشاركت في التظاهرات العمالية والاحتجاجية، وإضرابات الجوع، منذ أن كانت طالبة في كليّة الآداب خلال السبعينيات. وقد عانت جليلة بكار ومسرح «فاميليا» من المنع، ولم تمرّ مسرحيّة واحدة من دون مواجهة مع أجهزة الرقابة، وصلت حد المنع في «خمسون» (2008). لهذا، لا يعدّ حصول بكّار على «جائزة محمود درويش للحرية والإبداع» تكريماً لها فحسب، بل تكريماً للمسرح التونسي بأكلمه، ذلك المسرح الذي حمل طويلاً هاجس فلسطين والحريّة.

النصّ الكامل لكلمة جليلة بكار بعد حصولها على «جائزة محمود درويش للحريّة والإبداع» للعام 2012



نبوءة البوعزيزي

لا تزال مجموعة «فاميليا» تجول بعرضها المسرحيّ «يحيى يعيش». العمل الذي كتبته جليلة بكار والفاضل الجعايبي، وأخرجه الأخير، عرض للمرة الأولى في نيسان (إبريل) 2010، وكان أشبه بنبوءة للثورة القادمة إلى بلاد الطاهر الحداد، بما حمله من مشاهد عن سقوط ديكتاتور متغطرس. على الخشبة، تؤدي جليلة بكار بطولة العرض، إلى جانب الممثلة التونسية فاطمة بنسيعدي، ومجموعة من الممثلين التونسيين الشباب. بعد جولة على مسارح فرنسيّة عديدة، يحطّ العمل رحاله قريباً في الدار البيضاء، وتحديداً على خشبة مسرح «مولاي الرشيد» بين 7 و10 نيسان (إبريل) المقبل.