من منّا لا يذكر الصور المأخوذة من الفضاء لما قيل إنّها مخازن أسلحة الدمار الشامل في العراق، وانتشرت في الإعلام الأميركي منذ أوائل شباط (فبراير) ٢٠٠٣؟ حسب كولن باول وزير خارجية جورج دابليو بوش وقتها، فإنّ هذه الصور أظهرت «حركة مشبوهة في الموقع تشير الى تنظيف المكان من آثار المواد الكيمائية قبل وصول المراقبين الدوليين اليها».
من منّا لا يذكر أقوال السياسيين في إدارة بوش التي رددتها المقالات الصحافية حرفياً عن «الخطر الداهم الذي يمثّله امتلاك العراق لتلك الأسلحة، وإمكان استخدامه إيّاها ضد الولايات المتحدة والعالم خلال دقائق»؟ ومن منّا نسي كلام المسؤولين السياسيين الذي كرّره الإعلاميون الأميركيون عن «وجوب التدخل الفوري في العراق لأنه يجب أن ندمّر السلاح قبل أن يدمّرنا»؟
هذا ما ضجّ به الإعلام الأميركي قبل غزو العراق عام ٢٠٠٣. وهذا بالضبط ما يتكرّر اليوم في المشهد الإعلامي، لكن ضد إيران. واللافت أن التصعيد الإعلامي يسبق هذه المرة التصعيد السياسي، ودعاة «مهاجمة النووي الإيراني» من الصحافيين أكثر إلحاحاً من المسؤولين.
في عددها الصادر في ٨ آذار (مارس) الحالي، نشرت صحيفة USA Today خبراً رئيسياً عن وكالة «أسوشييتد برس» بعنوان: «صور التقطتها الأقمار الاصطناعية تظهر عمليات تنظيف للسلاح النووي الإيراني». الصحيفة الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة، لم تتردد في اعتماد تلك الصور دليلاً على وجود السلاح النووي الإيراني و«السلطات تقوم بتنظيف آثاره من المكان بعد تجربته على الأرض»، تماماً كما حصل مع الصور المزيفة لأسلحة الدمار الشامل العراقية.
معظم الكتّاب الصحافيين يرددون أيضاً ما يقوله المسؤولون الإسرائيليون في اتهاماتهم لإيران. إيثان برونر في «نيويورك تايمز» يقول مثلاً «إذا كانت إيران وراء تفجيري جورجيا والهند، فذلك ليس الا دليلاً آخر على أن القيادة في طهران تنوي نقل هجماتها ضد أعدائها الى خارج حدودها، وتوسيعها لتطاول المدنيين». برونر لم يتردد في تأكيد ضلوع إيران في محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، ويعدّه مثالاً آخر يثبت نظريته.
تهويل آخر من برونر تكرر في مقال نشرته «وول ستريت جورنال» يشير الى «إمكان استهداف إيران لأماكن العبادة اليهودية في الولايات المتحدة». «وول ستريت جورنال» صعّدت حدّة التخويف عندما نقلت عن أحد المسؤولين في شرطة نيويورك تحذيره من أنّ «إيران وحزب الله قد يستهدفان مدينة نيويورك».
القنوات التلفزيونية تعيش أجواء الحرب ذاتها، وصور الصواريخ الإيرانية لا تغيب عن الشاشات. قناة NBC News تربط مصير العالم كلّه بالحرب على إيران، في محاولة مكرّرة لتصوير أميركا كحامية لأمن العالم بأسره. كبير مراسلي المحطة في البنتاغون قال إنّه «إذا دخلت الولايات المتحدة في حرب مع إيران، فإن الأسطول الخامس للبحرية الأميركية سيمثّل خط الدفاع الأول للعالم». القناة الأميركية ومعظم القنوات الأخرى تبني تقاريرها على واقع أنّ «إيران تملك أسلحة نووية»، لكن لا أحد يشير الى أن الأمم المتحدة لم تؤكد بعد وجود ذلك السلاح. ABC و FOX و NBC تعمّدت التهويل على المواطنين الأميركيين، وخصوصاً بعد إعلان إيران أنها ستردّ على الهجوم الإسرائيلي بآخر يطاول أهدافاً أميركية. العناوين التلفزيونية ركّزت على أنّ «إيران تعلن حرباً شاملة» و«الأميركيون في خطر» و«الأمن القومي مهدد» من دون الإشارة الى أنّ كل ذلك مشروط بمهاجمة إسرائيل لإيران أولاً.