الرباط | لم تكد عاصفة الاحتجاجات الداعية إلى مقاطعة «مهرجان موازين» في دورته السابقة تهدأ، حتى عاد الجدل ليلقي بظلاله على دورة السنة الحالية التي تقام في شهر أيار (مايو) المقبل. والسبب هو التصريحات المثيرة للجدل التي أطلقها الوزير الإسلامي الحبيب الشوباني، الذي انتقد ما سمّاه «مهرجان الدولة» الذي لا يمكن أن يظل بعيداً عن محاربة الفساد. وأشار إلى أنّه لا يعقل لجمعية أن تحصل على أموال عامة لتنظيم تظاهرة باذخة، في الوقت الذي يجلس فيه الشباب المغربي عاطلاً من العمل.
رغم حرص إسلاميي المملكة على التأكيد أنّهم مع الحريات والفن، ولا يعترضون على برمجة المهرجان واستقطابه لمغنين أجانب وعرب كنانسي عجرم وماريا كاري، إلا أنّ تصريحات الشوباني وضعت «حزب العدالة والتنمية» في موقف حرج في مواجهة القصر الذي يرعى هذه المناسبات. كان الحزب الإسلامي، الذي يقود الحكومة، قد أعطى تعليمات لأعضائه بإبداء مرونة في التعامل مع هذه التظاهرات الفنية.
رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان، عزيز الداكي، استغرب كيف لمسؤول حكومي الإدلاء بتصريحات مماثلة. وقال «تلقينا تصريحات الوزير الشوباني بكثير من الاستغراب. لقد ارتكب أخطاء في تصريحاته. في الدورات الماضية، كان «مهرجان موازين» يتلقى 6 في المئة فقط من المال العام. وفي الدورة السابقة، لم نتلقّ أي سنتيم من المال العام». وتأسف عزيز الداكي لانحصار النقاش عن المهرجان بجوانب بعيدة عن قيمته الفنية. وأكمل «الثقافة ليست شيئاً ثانوياً، والمجتمعات التي لا تقيم مهرجانات ومسارح هي مجتمعات فقيرة، فالفقر ليس مادياً فقط».
الإعلامي المغربي المحجوب فريات يعتقد أن النقاش الدائر حول «مهرجان موازين» يعكس الخطة التي يعمل بها الإسلاميون. ويقول لـ«الأخبار»: «لقد فضلوا الاستمرار في الخطاب الشعبوي عبر إثارة مجموعة من القضايا تدغدغ مشاعر العامة ولا تحل مشاكلهم الحقيقية».
في هذا الوقت، انطلق هجوم على وزارة الثقافة المغربية التي يتولّاها حزب اشتراكي تقدمي (حزب التقدم والاشتراكية) قبل وضع يده بيد الإسلاميين من دون الحصول على ضمانات منهم، على حد تعبير المنتقدين. واعتصمت وزارة الثقافة بالصمت. لكن في أحد مقاهي الدار البيضاء، حيث يجتمع الميسورون وأبناء الطبقة الوسطى، تدور النقاشات حول «موازين» على طاولات كثيرة. نادل يسأل: «ألن يوقفوا مهرجان موازين؟» وصديقه يجيبه: «ومن أين ستحلب شركاتهم الأموال إن توقف؟». على طاولة أخرى، يتجادل صديقان بين منتقد للإسلاميين ومواقفهم التاريخية ضد الفنّ، وآخر يوافق الوزير الإسلامي، فالأولوية للفقراء. انقسام مصغّر يكشف الاختلافات المتجددة في أوساط الشعب حول جدوى تنظيم المهرجان، وخصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي المتردّي. نقاش خرج إلى الضوء منذ الحراك الشعبي في المملكة العام الماضي.
في أوساط مجلس الوزراء الجديد، يسري النقاش أيضاً ولو على استحياء بين الأحزاب المؤلفة للتحالف الحكومي. وقد أكّدت مصادر لـ«الأخبار» أنّ عدداً من وزراء الحكومة الحالية عبّروا عن غضبهم من تصريحات الوزير الإسلامي، ودعا وزراء منتمون إلى «حزب التقدم والاشتراكية» إلى عدم الانزلاق في الحديث عن مواضيع هامشية والاهتمام بالأمور التي تحظى بالأولوية في البرنامج الحكومي. بينما انبرت بعض الصحف المقربة من السلطة في الهجوم على الإسلاميين.
لكن السؤال يبقى: هل ميزانية «مهرجان موازين» هي التي أزعجت الوزير الإسلامي، أمّ أنّه يريد أن يحذو حذو وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك الذي أقفل «مهرجان قرطاج» في وجه إليسا وأخواتها من «فنانات العري»؟