ما الذي يجعل رجال الأمن يشنّون غزوة على معرض تشكيلي، ويطردون الجمهور، ويغلقون أبواب القاعة بالشمع الأحمر بعد تعرية الجدران؟ ما هي الصيغة التي طرحها هذا الفن، فاستفزّت رجل الأمن وجعلته يستخدم قوة القانون لإغلاق معرض بدعوى أنّه مضرّ بالمجتمع ومخلّ بالآداب العامة؟ إذاً، ها هي الرقابة في الكويت تمتد من منع الموسيقى والكتب إلى إغلاق المعارض. لعلها نتائج فوز السلفيين الكاسح في انتخابات البرلمان الكويتي (17 أيار/ مايو الماضي). مِن طلب منع تدريس الموسيقى في المدارس وصولاً إلى منع الكتب، وأبرزها «عبقرية الإمام علي» لعباس محمود العقاد، جاء إغلاق معرض الكويتية شروق أمين (1967) بعد ثلاث ساعات فقط من افتتاحه في 5 آذار (مارس) الحالي، ليمثّل سابقة خطيرة لم تشهدها كويت الفن والثقافة. المعرض الذي أعلنت أمين أنها ستنشر كل لوحاته على المواقع الاجتماعية وموقعها الرسمي، حمل عنوان «إنّه عالم الرجال» الذي قدّمته لساعات فقط في «غاليري المشرق» (مجمع الصالحية).
هنا لعبت الفنانة الكويتية على الرموز الاجتماعية والجسد والإيروتيك المخفى خلف جدران «الديوانيات»، عالم الرجل السري المرتبك بين التقاليد والرغبة. من خلال 16 لوحة، قدمت أمين لوحات بمساحات كبيرة، مستخدمة وسائط تجمع بين الفوتوغرافيا والتلوين والكولاج... تقنيات تقترب كثيراً من منطقة البوستر، أو الملصق، ما يوفر لها فرصة لكسر المنظور والاشتغال على المفاهيم. إنّها المفاهيم ذاتها التي دفعت الشرطة لاقتحام معرضها المذكور.
لم تحمل الأعمال أي ملمح إباحي. اكتفت الفنانة بتركيب مقاطع لرجال كويتيين، معبِّرةً عن علاقتهم الخفية بالمرأة، منتهكةً بذلك عوالم لطالما حرصت المجتمعات المحافظة على إخفائها. سعت الفنانة إذاً لتفكيك البنية السرية للمجتمع الذكوري الذي يستخدم المرأة كأداة لإشباع غرائزه ويتعامل معها في العلن من خلال أحكام الشريعة.
وفي اتصال مع «الأخبار»،رأت شروق أمين أن المنع هو بداية لقتل الفكر وحرية التعبير التي كفلها الدستور الكويتي، تقول: «دخل رجال الأمن المعرض من دون أوراق قانونية لتصوير لوحاتي بهواتفهم الخلوية. لم يكن المعرض يحمل صوراً إباحية أو مخلّة بالآداب كما يقولون. هو عبارة عن دراسة لمجتمع الرجل الشرقي، مثلما كان معرضي السابق «مجتمع النساء» (2010) دراسة عن عالم المرأة».
تناقص الحريات في البلد الذي يعرف بأنه أول ديموقراطيات الخليج القبلي، انتقدته أول أمس الخميس «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان». في بيان لها، ذكّرت «السلطات الكويتية باحترام حرية الإبداع وإن كانت مخالفة لآراء البعض الشخصية. الفن يواجه بالنقد وليس بالمصادرة والمنع». وطالبت المنظمة بالاعتذار من شروق أمين حتى لا تتحول «الكويت إلى دولة يحكمها البوليس، ويسيطر عليها مناخ التشدد، وتفقد إحدى أهم السمات التي اشتهرت بها، وهي التنوع والانفتاح النسبي في منطقة الخليج العربي».