من الطبيعي أن تستدرج الثورات العربية المراكز الثقافية لمحاولة الإحاطة بما يجري. التظاهرات الفنيّة العالميّة خصصت مساحات لأعمال عربية تحاور الثورات. في لبنان، شهدنا بعض الأعمال التي تناولت ثورات تونس ومصر، وحتى سوريا، كمحاضرة ربيع مروة «ثورة مبكسلة»، وفيديو روي سماحة «شرّ شفاف» ومعرض علي شرّي «صور رديئة رديئة». وها هو «مركز بيروت للفن» يقدم «ثورة ضد ثورة» أحد أهم المعارض لناحية الأعمال والفنانين المشاركين. اختار القيّمون عدم برمجة أعمال تعنى بالثورات العربية لأنها ما زالت جارية. وبذلك، فضّلوا التريث وعرض أعمال فنية عكست منعطفات تاريخية أخرى خلال السنوات الخمسين الماضية.لكن، لماذا قدم المعرض تحت اسم «ثورة ضد ثورة»؟ يقول القيّمون على «مركز بيروت للفن» إنّ «المعرض يهدف إلى استحضار ثورات سابقة في مواجهة مع واقعها في الحاضر والتغيّرات الراهنة التي تجتاح منطقتنا». ذلك نراه جلياً في أعمال تتناول الثورة الإسلامية في إيران، وتفكّك الاتحاد السوفياتي، وسقوط الشيوعية في أوروبا، والثورة الثقافيّة الصينية. أما الحديث بأنّ «العنوان يشير أيضاً إلى أنّه يجب إعادة النظر بالثورات الماضية، في ظلّ الوضع الحالي في العالم العربي»، فيبقى المفتاح لقراءة «ثورة ضد ثورة». إذا تماشينا مع الطرح، نجد أعمالاً مثل «الأخوات الثلاث» للصيني هاي بو الذي يقدّم صورتين للأشخاص أنفسهم. واحدة مأخوذة خلال الثورة الثقافية في الصين خلال الستينيات والسبعينيات، وأخرى التقطها بنفسه مجدداً محاولاً إعادة تركيب الجلسات بحسب الترتيب الأصلي. عبر توثيق فقدان بعض الأشخاص من الصورة الأصليّة في الصورة الجديدة، ووضعه في مقارنة بين زمن الثورة والزمن الحاليّ من دون تبرير سبب الفقدان، يحمّل الفنان الثورة ثقل مسؤولية الفقدان.
أما الإيراني عباس، فيعرض في «ثورة إيران» صوراً التقطها خلال الثورة الإسلامية، مُظهراً نساء ينتحبن على أحد شباب الثورة الذي قتل برصاصة طائشة من صديقه، ومسيرة للثوار حاملين جسد بائعة هوى كانوا قد أحرقوها، وجثة الجنرال رحيمي قائد الأحكام العرفيّة في طهران في زمن الشاه ... كلّ الأعمال تتمتع بجمالية تصويرية عالية، لكنها تصبّ في خدمة خطاب سياسي يشهّر بالثورة. يستثنى من هذا التوجه عملان: الأول «1968» للتشيليّ ألفريدو جار الذي يعدّ أحد الأكثر تفاؤلاً بالثورة في بساطته وعمقه وشاعريته العالية، أما الثاني فهو تجهيز «اقتصاد الحبّ» لماريسيا ليفاندوسكا ونيل كومينغز.
من هنا تأتي أهمية «ثورة ضد ثورة» الذي أراد التكلّم على الثورات العربيّة عبر ثورات سابقة. بغض النظر عن أهمية المعرض الفنية، يبقى الخيار السياسيّ جلياً في انتقاء أعمال تُبرز سلبيات الثورات. فهل هذا ما يقرأه القيّمون على «مركز بيروت للفن» عن مستقبل الانتفاضات العربيّة؟