نزولاً عند رغبة جمهور متعطّش إلى سماع أغنيات من العصر الذهبي في لبنان، يحيي غسان سحاب ورفاقه، مساء السبت حفلة بعنوان «بَعْدَنا» على «مسرح دوار الشمس» (الطيونة). الموسيقي الشاب الذي تتلمذ على يد عازف القانون الشهير محمد السبسبي، وأثبت نضجه وحرفيّته، سيقدّم «مجموعة من الأعمال اللبنانية التي تكتسي ثوباً تراثياً وكلاسيكياً في آن واحد»، تتخلّلها تقاسيم موقَّعة، إضافة إلى مقطوعتين من تأليفه. يولي سحاب إذاً هامشاً كبيراً للموسيقى الآلاتية، معتمداً هذه المرّة على الوتريات بشكل أساسي (باستثناء الكمان).
أمّا الأغنيات المختارة من الريبرتوار النهضوي اللبناني، فتؤدّيها غادة نعمة، فيما يحلّ شقيقها جورج نعمة ضيفاً على الحفلة في ختامها. برفقة عفيف مرهج (عود)، وغسان سحاب (قانون)، وبشار فران (كونترباص)، وأحمد الخطيب (إيقاعات)، ستغنّي غادة زكي ناصيف والأخوين رحباني وفيلمون وهبي.
«دقّة ودقّة مشينا» (زكي ناصيف)، و«سْهار بعد سْهار» (من كلمات الأخوين رحباني، وألحان محمد عبد الوهاب)، و«راجعين يا هوى»، وغيرها من الأغنيات المنطبعة في الذاكرة الشعبية، ستعيدنا حتماً إلى زمن آخر، ولو كنّا نشهد اليوم عواقبه وتتمّاته معاً في ظلّ صعود موجة جديدة نسبياً وغير منسلخة عما سبقها، إذا لم نأخذ في الحسبان الأغنيات السائدة.
تلك المرحلة المضيئة التي نهل فيها الأخوان رحباني من الفولكلور اللبناني وقدّماه معدّلاً، ودمجا بين الموسيقى العربية التي تكتسي طابعاً «هِتِروفونياً» من جهة، و«البوليفوني» (تعدُّد الأصوات في الموسيقى الغربية) من جهة أخرى، مهّدت للعديد من محاولات الدمج (الحداثي) في لبنان، ومثّلت العمود الفقري في الموسيقى اللبنانية المتقنة التي تحظى بإجماع شعبي.
في المقابل، حملت معظم أعمال زكي ناصيف نفَساً تراثياً (بالمعنى الواسع للكلمة) وخصائص محلّية وريفية، فيما تجاور المحلّي والعربي والغربي في الأعمال الرحبانية، ما أكسبها بعداً عالمياً. إضافة إلى اصطباغها بألوان الفولكلور بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، تشتَمّ في أغنيات زكي ناصيف رائحة ما: إنّها رائحة الأرض على الأرجح، ما يجعلك تذكر ناصيف مراراً في الحديث عن الهوية الموسيقية اللبنانية. أمّا ألحان فيلمون وهبي (التي أدّتها فيروز تحديداً)، فتتميّز بقدرتها على الإطراب، وبتلك الطاقة العجيبة التي تختزنها.
غسان سحاب (1985) كان يرغب في إدراج أعمال توفيق الباشا في الحفلة، لكن ذلك يتطلّب أوركسترا، لا فرقة مصغّرة. «أتوق إلى تقديم حفلات تتضمّن أغنيات لصباح وزكية حمدان ووداد»، يقول مضيفاً: «أسعى أيضاً إلى تأدية أغنيات من ألحان زياد الرحباني مثل «حبّيتَك تنسيت النوم» و«سألوني الناس»، ما يستوجب إذْناً بعزفها وغنائها احتراماً لحقوق الملكية الفكرية».
سحاب الذي رافق كريمة الصقلي، ووردة الجزائرية، وجاهدة وهبه، وفؤاد زبادي، يرى أنّ اللون اللبناني يستوجب أداءً خاصاً، تبعاً «للهجة الموسيقية» اللبنانية. يميل إلى التنقيب في المساحة غير المستثمرة بالكامل في الموسيقى العربية، ويفضّل العزف ضمن تركيبة التخت الشرقي، «خصوصاً أنّنا لم نستنفد حدود آلاتنا لاستضافة آلات غربية». يمكن التكهّن بنجاح الحفلة نظراً إلى تمرّس العازفين، لكن التحدّي الأكبر يكمن في تأدية الأغاني التي نعرفها بصوت فيروز. عسى هذه الإضاءة على زمن النهضة الموسيقية اللبنانية توفّر مناخاً يقود مع الوقت نحو نهضة لبنانية وعربية جديدة، ويكرّس الأصالة بعيداً عن «الأصولية» التي تمثّل ردّ فعل على ظاهرة «التغريب» في زمن العولمة.



«بَعْدَنا»: 8:30 مساء السبت 10 آذار (مارس) ـــ «مسرح دوار الشمس» (الطيونة ــ بيروت) ــ
للاستعلام: 01/381290