يفتتح فيلم رومان بولانسكي «مجزرة» بلقطة طويلة مترافقة مع «الجنريك». ثم يبدأ بترقّب تلك المجزرة التي لن تقع بالمعنى الحرفي للكلمة بل مجازاً. ما نشاهده في تلك اللقطة الافتتاحية سيكون الحدث الوحيد في فيلم السينمائي البولندي: نرى من بعيد مجموعة من الفتية في ساحة مدرسة، ثمة خلاف دائر بينهم. نشاهد أحدهم يضرب الآخر بعصا على وجهه. يُقطع المشهد لننتقل إلى كل ما سنشاهده على مدى 80 دقيقة، وهو اجتماع أهل كلا الولدين لحل النزاع الذي أدى إلى إصابة ابن مايكل وبينلوبي بتورم في وجهه وفقدانه اثنتين من أسنانه.
موقع التصوير داخلي لن يتجاوز شقة وسيعة في مانهاتن تجري التنقلات فيها بين الصالون والمطبخ والحمام أو مدخل البيت على مقربة من المصعد. وقد اجتمع أهل كلا الولدين للتباحث في كيفية حلّ هذه المشكلة التي ستقود إلى مشاكل الأهل الوجودية والشخصية والاجتماعية، بما يجعل من أنماط العيش ومقاربات الحياة المتباينة بين الشخصيات الأربع صراعاً درامياً تصاعدياً ينتقل من ذروة إلى أخرى، وينتهي الفيلم بلقطة خارجية تعود بنا إلى ساحة المدرسة سابقة الذكر.
في جديده، يؤكد صاحب «عازف البيانو» أنّ الدراما ـ كما هو متعارف عليه ــ موجودة في ردود فعلنا تجاه العالم وليس في العالم ذاته. لكن ردود الفعل في «مجزرة» ستكون ممسرحة ومتكئة على الحوار أولاً وأخيراً، لكون الشريط الفيلم مأخوذاً عن مسرحية «إله المجزرة» للفرنسية ياسمين رضا التي شاركت بولانسكي في كتابة السيناريو. ويبقى الرهان على أداء الممثلين وتمايز كل شخصية واتساقها مع آرائها. الرهان الذي لن يكون إلا ناجحاً لإبقائنا مشدودين إلى الشاشة حتى النهاية.
يمكن الحديث بداية عن جبهتين في الفيلم، أي أن تكون بينلوبي (جودي فوستر) ومايكل (جون رايلي) في جبهة أصحاب البيت ووالدي الابن الذي تعرض للضرب على يد ابن نانسي (كيت وينسلت) وآلن (كريستوف والتز). لكن سرعان ما يتحول ما يبدو اتفاقاً حضارياً بين الطرفين إلى نزاع وجبهتين. ولعل عامل التوتر الرئيس سيكون آلن الذي لا يتوقف عن التحدث على هاتفه، ويبدو غير مبال بما يحصل. لكن سرعان ما ستتضح صورة كل شخصية على حدة. بينلوبي عصابية تحمل هموم البشرية على كاهلها، وتجد في أفريقيا ملاذاً روحياً لها «لعقد ذنبها» كما سيقول لها آلن. بينما نانسي خرقاء تقبل بكل شيء، ومايكل طيب وبسيط خال من العقد والغرور وغيرهما من خصال يمكن لآلن أن يحملها. ستتوالى التغيرات الدرامية أثناء الحوار الذي يتشعب ويتصل وينفصل، يتصاعد ويهدأ، يكون تهكمياً وساخراً حيناً، وحزيناً ومأزوماً أحياناً، والتغيرات تحدث وفق فواصل متعلقة بتقديم بينلوبي القهوة التي تمنع آلن من المغادرة هو وزوجته، أو انتقالهم إلى شرب الكحول في النهاية، أو عبر الاتصالات الكثيرة التي يتلقاها آلن واتصالات والدة مايكل به. بالعودة إلى الحديث عن الجبهات، ستتغير هذه الأخيرة مراراً كأن يصبح الرجال في خندق واحد ضد النساء: «النساء يفكرن كثيراً» يقول آلن. ستتمرد نانسي على آلن وترمي بهاتفه بعد أن تكون قد تقيأت على كتب بينلوبي، وهكذا تتنوع الصراعات والتغيرات الدرامية بحنكة معلم كبولانسكي، كأنّنا به يقول لنا في النهاية: محزنون ومضحكون نحن البشر.



Carnage: صالات «أمبير»