«شرف البنت زي عود الكبريت». تحوّلت هذه العبارة إلى لازمة في الأفلام المصريّة القديمة؛ لأن ما اتُّفق على تسميته «الشرف» في مجتمعاتنا، انحصر بجسد المرأة وصار خطاً أحمر. انطلاقاً من هذا المبدأ، أراد المخرج جان كلود قدسي نسج قصة مليئة بالغموض تثير علامات استفهام عند المتلقي، حفاظاً على التشويق.
فيلم «إنسان شريف» حبكة دراميّة تقارب عقليّة المجتمع العشائري الذي يمنح أحكاماً تخفيفية لمرتكب «جريمة الشرف» قانوناً، فيما يتحوّل الأب والأخ والزوج الذي امتنع عن «غسل عاره» إلى شخص منبوذ في بيئته. اختار قدسي تصوير قصته في الأردن الذي يشهد النسبة الأعلى من حالات «جرائم الشرف».
تنطلق الأحداث بعد عشرين عاماً على «جريمة شرف» ملتبسة. تتوضح الأمور شيئاً فشيئاً. مجدي مشموشي في دور إبراهيم «الإنسان الشريف» الذي تحوّل بطلاً في عشيرته، بعدما «غسل شرفه» حين أجهز على شقيقة زوجته الزانية وعشيقها رياض أحد أبناء العشيرة، قبل أن تحترق به سيارته ليتضح لاحقاً أنّ إبراهيم خطّط للأمر. ستكشف الأحداث بعد 20 عاماً عن مفاجآت غير متوقّعة. تنطلق الأحداث مع إبراهيم الذي يملك معرضاً للسيارات في بيروت، ويلتقي مصادفةً بليلى (كارولين حاتم) التي يفترض أنه قتلها قبل عشرين عاماً في الأردن، ما اضطره إلى الهرب إلى بيروت حيث بدأ حياة جديدة.
في سياق الأحداث، سنتعرّف إلى زوج ليلى الأجنبي إريك وابنتهما سارة (رنا خليل)، ولاحقاً فريد (شادي حدّاد) وهو ابن إبراهيم، والعم كامل (محمود سعيد)، ثم أم إبراهيم (ليلى حكيم)، وأبو إبراهيم (محمد حيدر)، وأبو رياض (حسام الصبّاح). سيكون اللقاء بليلى في بداية الشريط مفصليّاً ومحركاً أساسيّاً للأحداث، فبعد اكتشافه إصابة زوجته أسمى (برناديت حديب) بمرض عضال، يقرّر زيارتها ولو اضطر إلى مواجهة ماضيه وأهله. نجح قدسي في تقديم حبكة مشوّقة وغنيّة، واستطاع أن يبقي الجمهور مشدوداً لمعرفة التفاصيل والأحداث. غير أن هروبه بقصته إلى الأردن وتصوير شخصياته على أنّها أردنية، كان أمراً مبرّراً يوم كان العمل أردني الهويّة. غير أن انسحاب هذا المنتج الأردني من «الطبخة» أوقع قصّة الإنسان الشريف في غربة عن المجتمع اللبناني الذي ما زالت عقليّة الأخذ بالثأر سائدة في قراه النائية. وإذا كان مرتكب «جريمة الشرف» يتحوّل إلى بطل، فإن هذه النقطة كانت ستخلق تشويقاً إضافيّاً لو دارت الأحداث في لبنان. ولا يبدو منطقيّاً، أن يظلّ إبراهيم في غربة عن ماضيه، ولا يستفزه للرجوع سوى لقاء الصدفة بليلى.
يسجّل للمخرج أنه لم يهمل إدارة الممثل. فأثبت مجدي مشموشي أنه ممثل قادر على تقديم المطلوب، مع مخرج جيّد، وهو ما نجح فيه أيضاً بدور ناصر في «الغالبون»، لكنّه وقع في فخ المبالغة في شخصيّة الشرير النمطيّة الذي يحاصره بها المخرج إيلي معلوف. وفيما تبدو كارولين حاتم في تجربتها الأولى أكثر من مقبولة، استطاعت برناديت حديب أن تكون نجمة بمشهد الحوار مع زوجها. لم يكن غريباً أن يمزج مشموشي وحاتم بين اللهجتين اللبنانيّة والأردنية، فإبراهيم عاش سنوات طويلة في لبنان، وتنقّلت ليلى بين لبنان وأوروبا. وكان التحدي الأكبر مع شادي حدّاد بدور فريد الذي عاش كل حياته في عمّان. واجتاز حداد الامتحان بنجاح، ثم محمود سعيد الذي مثّل حضوره بصمة إيجابيّة....



* «إنسان شريف»: ابتداءً من 8 آذار (مارس) في الصالات اللبنانية