القاهرة | في معرضه «أسنان حادة كالشفرة» الذي تحتضنه «غاليري مشربية» في القاهرة حتى 8 آذار (مارس)، يشير الفنان علي عبد المحسن بوضوح الى غرابة اللحظة التي تعيشها مصر بعد «ثورة 25 يناير». من ناحية أخرى، يبدو المعرض إشكالياً سواء على صعيد الخامات المستخدمة أو الموضوع. كل الأعمال مرسومة على ورق من مخلّفات علب الكرتون (مقاسات مختلفة) حتى نخال أنّ الفنان يتعامل مع الخامات بفلسفة إعادة تدوير مخلّفات الحياة اليومية، فيما تبدو تفاصيل هذه الحياة موضوعاً للوحاته.
عبد المحسن الذي عمل في مهن عدة أبرزها نادل في مقهى قبل أن ينتقل إلى الصحافة، يرسم بطريقة لا يغيب عنها الحس التوثيقي، مع نفور من فكرة المعالجة المباشرة، وتوجيه وعي متلقي أعماله الى ارتباك لحظات الاكتشاف. تبدو الرسوم كأنها قادمة من عالم لوحات الـ «غروتسك»، حيث الرغبة في الهدم وعدم الالتزام بالنظام والتناسق وبالنسب الطبيعية. رسوم الغروتسك كما يشرح شاكر عبد الحميد في كتابه «الفن والغرابة» (دار ميريت ـــ 2010) هي رسوم مسخية تمزج بين الخوف والغرابة. في الكثير من لوحاته، يرسم الفنان بطريقة تماثل الطريقة التي عبّر بها الفنان البدائي عن وحشة العالم الغريب الذي ينتظره. تهيمن في القاعة «أشباح الغرابة» كأن المعرض ذاته «مجمع أشباح». في هذا المجمع، يقوم علي عبد المحسن بـ «أبلسة الظل» كما فعل فنانو القرون الوسطى، حيث المزج بين الخوف والفكاهة، أو كما يشرح عبد الحميد في كتابه، فإنّ الظل في اللوحات هو عدو متخيل، يحمل شكوكنا وهواجسنا، نوع من الإسقاط الشخصي أو منطقة غامضة في الروح، يولّد فيها كل ما هو سلبي ويحتاج الى المقاومة والحرب. هكذا يصير الظل هو النسخة المتكررة والسالبة من الذات. يحيل الفنان أعماله على عالم السريالية الشعبية المصرية، كما نجدها خصوصاً عند العملاق عبد الهادي الجزار (1925 ــــ 1966)، لكن مع اختلاف الخامات والتقنية. يركز الفنان على عدو حاضر ومتخيل في آن واحد، فالإحالة على ذوي اللحى من السلفيين واضحة، وكذلك رغبتهم في الهيمنة على الفضاء العام. في لوحات دالة، يعيد الفنان توزيع سكّان مصر على خريطتها. ثم يقوم بإزاحتهم من الدلتا، ويبقي عليهم في لوحة مجاورة في زاوية من الصحراء، في إشارة واضحة إلى التصحّر الذي يخافه الفنان، ويراه مقبلاً لا محالة. لا ينكر الفنان تعامله مع موضوع الثورة. الكثير من اللوحات أقرب ما يكون الى تعليقات على ما حدث، وتقصّي لأثر الأخبار التي لم تعد عابرة لأنّها خلّفت حيوات ممتدة، كما لا تنكر لوحاته الخوف من سرقة الثورة عبر تشويه منهجي يتعرض له العقل المصري. أجهزة الإعلام الرسمية حاضرة في المعرض كـ «أيقونات» تفيض بالدلالة، وهي تؤدي الى «مسخ الكائنات» مجدداً. لذلك، فإنّ ثمة عنفاً بالغاً ينعكس على شخوصه المنتهكة في غالبية اللوحات. الحس الإسقاطي الواضح في اللوحات يشدها الى حالة التوثيق، كاشفاً عن بعض سمات الواقعية السحرية، لكن على الطريقة التي عرفتها الواقعية الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى. يقتصد الفنان في الوصف، وتقلّ الثرثرة الانفعالية في لوحاته، ويزيد مقاربته لموضوعات الحياة اليومية مع غياب الميل المتعلق بضرورة جعل اللوحة سارة أو ممتعة. يمحو كلّ الآثار الدالة على عملية الرسم وتحرير التصوير من الحرفية، إضافة الى العلاقة الروحية مع عالم الأشياء، كما يكشفها العالم الفني. وهنا بالتحديد يتداخل ما هو واقعي مع ما هو سحري بطريقة تعكس غرائبية العالم، وفي الوقت عينه تكشف مخاطر الواقع حيث الرغبة في الحداثة والخوف منها.



«أسنان حادة كالشفرة»: حتى 8 آذار (مارس) ـــ «غاليري مشربية» (شارع شامبليون، القاهرة) ـ
للاستعلام: +20225784494ـ
www.mashrabiagallery.org