القاهرة | إذا جاز وصف المنافسة الإعلامية في مصر ما بعد الثورة بالحرب التلفزيونية، فلا مفر من الاعتراف بأنّ الثوار ما عادوا يمتلكون اليوم سوى منصة إطلاق وحيدة هي شاشة ON.tv التي أقيمت أمام مبناها منذ أيام وقفة احتجاجية على «تحريض المحطة على الجيش»، منددة بإعلاميي القناة يسري فودة وريم ماجد. بالنظر إلى نتائج الانتخابات البرلمانية، وأحداث العام الذي مرّ منذ ثورة النيل، فإن الكعكة المصرية التي تقاسمتها الأطراف المتنازعة، انعكست على شاشات التلفزيون. نقل «ماسبيرو» نفسه من خدمة مبارك إلى خدمة المجلس العسكري وظل «صامداً» في تقديم خدماته، رغم حركات احتجاج إعلامييه الشباب، وأعاد «الفلول» تنظيم أنفسهم فأطلقوا سلسلة cbc من دون تغيير وجوه إعلاميي نظام مبارك. وظلت قنوات «الحياة» تمارس دورها في الظهور بمظهر المعارضة الأليفة التي لا تتخطى الحدود، تماماً كحزب «الوفد» الذي يملك رئيسه السيد البدوي القناة.
وحصل الإخوان على قناتهم الخاصة «مصر 25»، مدعومين من «الجزيرة» التي تتبنى المواقف السياسية للجماعة وحزبها. وما زالت للسلفيين قنواتهم وأبرزها «الحكمة» و«الناس» اللتان اكتسبتا جمهوراً غير سلفي يشاهد بدافع الفضول. أما قناة «25 يناير» التي قدمت الأداء الإعلامي الأكثر شباباً وحيوية، فقد فقدت صوتها منذ اقتحمها الأمن على الهواء مباشرة أثناء تغطيتها مذبحة ماسبيرو، فتحولت تدريجاً لتتبنى وجهة نظر السلطات الأمنية رغم إصدارها بياناً ينفي تلك «الاتهامات». وإذ بدت قناة «التحرير» الصوت الأقوى في التعبير عن الثورة، فقد تم التحايل عليها بلعبة من ألعاب السوق ضمن تكرار ممل لأزمة جريدة «الدستور» قبل عام ونصف العام. لقد اشتراها الملياردير سليمان عامر، وسرعان ما خرج ــ أو أُخرج ــ إعلاميوها منها. وبقيت قناة «النهار» التي تبدو في منتصف المسافة بين الثورة وأعدائها حسب البرنامج والإعلامي الذي يقدمه. وأخيراً، ها هي «أون. تي.في.» المملوكة لرجل الأعمال المثير للجدل نجيب ساويرس، تدافع بوجه صريح عن الثورة وثوارها عبر ثلاثة برامج: «آخر كلام» الذي يقدمه يسري فودة، و«بلدنا بالمصري» لريم ماجد، و«البرنامج» الذي انتقل به الوجه الجديد باسم يوسف من الشبكة الافتراضية إلى الشاشة الليبرالية.
من الطريف أن نذكر أنّ «صوت الشعب»، المحطة الرسمية التي أطلقتها الدولة أخيراً لتغطية جلسات أول برلمان منتخب ديموقراطياً منذ 60 عاماً، بدت الأكثر حيادية بين القنوات السابقة لكونها لا تفعل أكثر من نقل جلسات البرلمان على الهواء. ربما لهذا واجه رئيس البرلمان الإخواني سعد الكتاتني عاصفةً من الغضب رفضت اقتراحه منع البث المباشر. ورغم أنّ المحطة لا تقدم سوى النقل الحي مصحوباً ببعض المقابلات مع النواب، إلا أنّ «روح ماسبيرو» تدخلت لتخفّف من حدة الانتقادات التي وجهت للمجلس العسكري من قبل النواب، فاكتفت بعبارات عامة على شريطها الخبري من دون نقل النص الحرفي للانتقادات لمن فاتته رؤيتها على الهواء. مع ذلك، فمحاولات رئيس البرلمان تخفيف «الضغط التلفزيوني» لم تتوقف. قرر منع القنوات الخاصة من إجراء أي مقابلات في بهو البرلمان أثناء الجلسات. ليس بعيداً عن «صوت الشعب»، يتعرض إعلامي آخر من «ماسبيرو» هو المخرج إيهاب المرجاوي للتحقيق والوقف عن العمل لأنّه استغل إحدى لقطات البث الحيّ ووقف وراء مذيعة القناة رافعاً لافتة كُتب عليها «الحرية للنيل للأخبار». ما أحرج المسؤولين الذين حاولوا في الشهرين الأخيرين قمع الاحتجاجات داخل المبنى العتيق، بالتوازي مع استضافة بعض رموز المعارضة كالمدون علاء عبد الفتاح في محاولة لإظهار «ماسبيرو» في حلة جديدة، لا سيما أثناء الاعتصام الذي أقامه نشطاء أمام المبنى على كورنيش النيل. وجاءت لافتة المرجاوي لتفضح الإعلام الرسمي الذي لا يتغير بينما يديره «ضابط» هو اللواء أحمد أنيس وزير الإعلام.
جاء إيقاف مخرج «النيل للأخبار» في الفترة نفسها التي أجبرت فيها دينا عبد الرحمن على ترك برنامجها على «التحرير»، ليكون ذلك الإبعاد الثاني الذي تتعرض له الإعلامية الشابة خلال عام واحد، بعدما أجبرت على ترك برنامجها الأشهر «صباح دريم» على «دريم 2» إثر مكالمة هاتفية غاضبة مع لواء كان مستشاراً للمجلس العسكري. هذه المرة، قالت محطة «التحرير» إنّ الخلاف يتعلّق برفض دينا خفض راتبها. وهو الأسلوب ذاته الذي اتبعه وزير الإعلام الأسبق والمسجون حالياً أنس الفقي، والإعلامي محمود سعد أثناء الثورة. ما زال النظام القديم يستخدم أسلحته نفسها في أزمة دينا مع «دريم» التي خرج معها بلال فضل احتجاجاً على إبعادها. أما هذه المرة، فد اختتم خروجها سلسلة طويلة من الإعلاميين الذين تركوا «التحرير» ومنهم حمدي قنديل، وإبراهيم عيسى، ومحمود سعد ودعاء سلطان حتى لم تعد المحطة التي رفعت شعار «الشعب يريد تحرير العقول» تشبه نفسها. في أزمتها الأولى، تردّد أن دينا ستذهب إلى «أون. تي. في.» قبل أن توقّع مع «التحرير». فقد دعت الإعلامية ريم ماجد زميلتها إلى مشاركتها تقديم «بلدنا بالمصري» في أي وقت. إذا فعلت، فإن قناة ساويرس تكون جمعت كل إعلاميي الثورة في سلة واحدة، وهو أمر ليس مثيراً للاطمئنان.