بعد الإعلان عن فوز «انفصال نادر وسيمين» (2011) بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، اعتلى أصغر فرهادي خشبة الحفل الذي أقيم في لوس أنجليس الأحد، قائلاً: «في هذه الأيام التي يجري فيها تبادل التهديدات بالحرب بين السياسيين، يخرج اسم ايران من نافذة الثقافة الرائعة، ثقافة غنية وعريقة. أقدّم هذه الجائزة الى شعب بلادي الذي يحترم كلّ الثقافات والحضارات ويكره العداوات والأحقاد».
منذ عرضه، حظي شريط هذا السينمائي بحفاوة نقدية حاصداً الجوائز تلو الأخرى من جائزة «الدبّ الذهبي» في «مهرجان برلين 31» إلى «سيزار» أفضل فيلم أجنبي التي نالها قبل يوم من الأوسكار. العمل دراما محكمة عن إضطراب يصيب عائلة إيرانية من الطبقة الوسطى يتمثّل في انفصال نادر وسيمين. خلف هذه الحبكة، يرسم المخرج صورة كاملة عن المجتمع الإيراني المعاصر. لطالما طغى الهم الاجتماعي على أعمال فرهادي. في قاعة المحكمة، يجلس نادر (بيمان معادي) وسيمين (لیلا حاتمي) أمام القاضي الذي ينظر في دعوى طلاقهما. سيمين تريد مغادرة إيران بحثاً عن مستقبل أفضل، لكن نادر يرفض السفر لأنّه مضطر للإعتناء بأبيه العجوز. لا يجد القاضي سبباً مقنعاً للطلاق، فيرفض القضية. ينفصل الزوجان موقتاً، وتذهب هي إلى بيت أهلها بينما تبقى ابنتهما مع والدها وجدّها في البيت. نتيجة هذا الواقع الجديد، يضطر نادر لتعيين رازيه (ساره بیات) للإعتناء بوالده المريض. رازيه المتدينة والحامل التي تقبل الوظيفة بدون علم زوجها (شهاب حسیني) الغارق في الديون، تأتي يومياً إلى العمل مع طفلتها الصغيرة. في إحدى المرات، يعود نادر من عمله ليجد والده ساقطاً عن السرير ومغمى عليه. يستشيط غضباً ويطرد رازيه بعد اتهامها بسرقة المال، فتتصاعد الأمور بينهما إلى أروقة القضاء. في الشريط الذي كتب فرهادي السيناريو أيضاً، يبني المخرج بيئة الفيلم بإحكام. تسارع الأحداث لا يترك فرصة للمشاهد للشعور بالملل. يستكمل فرهادي همه الإجتماعي ولا يكتفي بطرح معالجة درامية لقضية طلاق عادية، بل يقارب الشرخ الطبقي الحاد في إيران، ودور الدين، والنظام القضائي.
الشريط حكاية رمزية ذكية عن راهن إيران السياسي والصراع بين تيارين، متدين ومنفتح. عبر الترافع بين العائلتين أمام النظام القضائي الديني، يضع فرهادي بنيته الدرامية بقيادة طاقم تمثيلي بارع. شخصياته المتمثلة في عائلتين تنتمي كل منهما إلى طبقة مختلفة، إحداهما متوسطة، والأخرى فقيرة متدينة، تضع المشاهد أمام خيارات كل عائلة في بحثها عن حل لمأزقها في خضم المواجهات بينها من دون الحكم عليها. وهنا تكمن المعضلة التي قصدها فرهادي: الوضع الإيراني معقد أكثر مما يبدو على الشاشة. صحيح أنّ العمل واجه انتقادات من نقّاد مقربين من النظام الإيراني، إلا أنّ فرهادي صنع فيلماً موجهاً إلى الداخل قبل الخارج، هو الذي قال «الصراع في الفيلم ليس بين الخير والشر، بل بين رؤيتين متضاربتين للخير» رافضاً بذلك نظرة الغرب الإملائية وأبلسة بلده.



zoom

أفلامه الروائية



عام 2003، أنجز أصغر فرهادي (1962) فيلمه الروائي الأول «الرقص في الغبار» عن رجل يضطر لتطليق زوجته بسبب ضغط إجتماعي. بدأ فرهادي يحصد الإهتمام منذ عام 2004 مع شريطه الثاني «المدينة الجميلة» عن «أكبر» ذي الثامنة عشر المحكوم بالإعدام وصديقه الذي يحاول إلغاء الحكم. نال الشريط جوائز أيضاً، ثم ألحقه بـ «أربعاء الألعاب النارية» (2006) عن امرأة تشك في خيانة زوجها لها، ثم أنجز «عن إيلي» (2009 ـ «الدب الفضي» في برلين) حيث يحاول أصدقاء ترتيب زواج بين أحمد العائد من ألمانيا وإيلي معلمة الحضانة.