خطف الفيلم الفرنسي «الفنان» الأضواء في حفلة الأوسكار الـ 84 التي أقيمت أول من أمس في هوليوود، متوِّجاً بذلك سلسلةً طويلةً من النجاحات والجوائز في المهرجانات العالميّة. حفاوة نقديّة واكبها نجاح منقطع النظير على شباك التذاكر. عمل ميشال هازانافيسيوس 5 جوائز من بينها أفضل فيلم (المنتج توماس لانغمان)، وأفضل مخرج (ميشال هازانافيسيوس)، وأفضل ممثل (جان دوجاردان). وجاء هذا التتويج الهوليوودي بعد 48 ساعة على نيل العمل 6 جوائز «سيزار» (الأوسكار الفرنسي). وبذلك يصل عدد الجوائز التي نالها الشريط إلى 69.
عوامل عدة أسهمت في تحويل «الفنان» إلى ظاهرة في تاريخ الفن السابع. لم يسبق لأي عمل أن نال هذا القدر من الرواج، والحفاوة النقديّة، والجوائز. ولم يكن ذلك سهلاً، وخصوصاً أنّ نمط الفيلم أبعد ما يكون عن السينما الرائجة. بنية الفيلم المغايرة (صامت، بالأبيض والأسود، محاكاة لسينما الثلاثينيات) جعلت المفوض العام لـ«كان» تييري فريمو، يتردّد قبل قبوله في المسابقة الرسمية في الدورة الأخيرة من المهرجان. ورغم التحفّظات، استُقبل الفيلم بحفاوة على«الكروازيت»، وأشاد النقّاد بما يتّسم به من «روح شابلنيّة». تُرجم ذلك بمنح جائزة أفضل ممثل لبطله جان دوجاردان. لكنّ ذلك لم يكن كافياً لإخراج الشريط من الإطار النخبوي.
لكن شخصية كاريزماتية تلقّفت الفيلم، واشترت حقوق توزيعه، مراهنةً على اكتساحه للسوق الأميركية الموصدة أمام الأفلام الأجنبيّة. صاحب «الرهان الجنوني»، بحسب تعبير منتج العمل الفرنسي توماس لانغمان، هو «عرّاب السينما الأميركية المستقلّة» هارفي وينشتاين الذي أسهم في إطلاق عدد من أبرز رموز السينما الأميركية المغايرة من مارتن سكورسيزي إلى ستيفن سودربرغ، وصولاً إلى كوينتن تارنتينو والأخوين كوين. رصد المنتج الأميركي ميزانية ضخمة لحملة الترويج العالميّة لـ«الفنان» بلغت 15 مليون دولار، أي ما يعادل ميزانيته الأصليّة (10 ملايين يورو). وكان حدس «العرّاب» في محلّه. لقد أدرك قبل غيره أنّ «الفنان» ليس مجرّد عمل مبهر فنياً، تقتصر جاذبيته على ما يحويه من نوستالجيا إلى عصر هوليوود الذهبي، بل رأى في الفيلم مضموناً شديد الارتباط بالراهن، رغم استعارته أسلوب السينما الصامتة. هو يروي قصّة حب إشكالية نشأت في لحظة الانتقال من السينما الصامتة إلى الناطقة، وعلى خلفية الانهيار المالي الكبير عام 1929. لهذا، وجد قطاع واسع من المشاهدين في قصة الفيلم إحالات غير مباشرة على التمزّقات التي يشهدها العالم في خضم الأزمة المالية الراهنة، وما أفرزته من تحولات مفصلية. هذه المرحلة المخاضية أو كما سماها غرامشي «فترة العتمة» التي تواكب التحولات الثورية «حين يحتضر النظام القديم من دون أن تتضح معالم الجديد الذي سيولد على أنقاضه»، صوّرها الفيلم عبر قصة حب جمع، في هوليوود الثلاثينيات، نجم السينما الصامتة جورج فالنتان بالممثلة الصاعدة بيبي ميلر. رفض فالنتان مواكبة السينما الجديدة، ما أدى إلى أفول شهرته تدريجاً. ثمّ أتت الأزمة المالية على ما بقي لديه من مدّخرات، فانتهت به الحال معزولاً ومعدماً. أما بيبي ميلر، فقد بزغ نجمها، وأصبحت من رموز النظام الجديد.
لا شكّ في أنّ انجذاب الجمهور إلى «النهاية السعيدة» للفيلم، أسهم في نجاحه الجماهيري، لما تحمله من رؤية توفيقية بين القديم والجديد. تقوم بيبي ميلر في النهاية بإنقاذ جورج فالنتان من الانتحار، وتسهم في إعادته إلى الواجهة عبر الاشتراك معه في فيلم راقص يتناغم فيه رمز النظام (السينمائي) القديم مع نجمة النظام الجديد، على وقع رقصات الكلاكيت المشتركة.

The Artist: «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ــ بيروت) ـــ 01/204080






نصر «وطني»

موجة من الاحتفالات الوطنيّة اجتاحت فرنسا، بعد الفوز الكاسح الذي حققه «الفنان» في جوائز الأوسكار. جوائز الفيلم الصامت أثارت شعوراً عاماً «بالفخر الوطني»، بحسب وكالة «رويترز»، وخصوصاً أنّ جان دوجاردان هو أوّل ممثل فرنسي ينال الأوسكار. ولدى تسلّّمه الجائزة، وجّه النجم الصاعد الشكر للأكاديميّة الأميركيّة للفنون، ولزوجته الممثلة ألكسندرا لامي. وكتبت صحيفة لوموند الفرنسية «نصر فرنسي في هوليوود»، بينما سعى سياسيون إلى الاستفادة من اللحظة في حملاتهم الانتخابية.



الفائزون الآخرون



بين جوائز الأوسكار التي منحت أوّل من أمس في هوليوود، وجوائز «السيزار»، التي منحت الجمعة الماضي في باريس، بدا الإجماع واضحاً على تتويج «الفنان» ضمن الفئات الرئيسية.
نال العمل جوائز أفضل فيلم، وأفضل إخراج، وأفضل موسيقى في الاحتفالين الضخمين. ونالت بطلة الشريط بيرينيس بيجو جائزة أفضل ممثلة في «السيزار»، بينما عادت هذه الجائزة في الأوسكار إلى ميريل ستريب، عن أدائها المميّز لشخصية مارغريت تاتشر في فيلم «المرأة الحديدية»، وفيما مُنح أوسكار أفضل ممثل إلى بطل «الفنان» جان دوجاردان، سلبه هذه الجائزة في «السيزار» النجم الصاعد عمر سي، عن دوره في فيلم «غير قابل للمس».
وأحرز فيلم «هيوغو» لمارتن سكورسيزي 5 جوائز أوسكار، لكنّ تتويجه اقتصر على الفئات التقنية (الإدارة الفنية، التصوير، المؤثرات البصرية، الميكساج، المونتاج الصوتي). وكان «الفنان» مرشحاً أيضاً لجائزة أفضل سيناريو، لكنّ وودي آلن خطفها منه في الأوسكار عن شريطه «منتصف الليل في باريس»، بينما عادت هذه الجائزة في «السيزار» إلى فيلم «ممارسة السلطة» لبيار شولر. وعن الفيلم نفسه، نال ميشال بلان سيزار أفضل ممثل في دور ثانوي. نافس فيلم ميشال هازانافيسيوس أيضاً على جائزة المونتاج، لكنّه لم يوفّق بها في الأوسكار، بل كانت من نصيب «الفتاة صاحبة وشم التنين» لدايفيد فينشر، ولم ينلها على خشبة «السيزار» أيضاً، إذ خطفها فيلم «بوليس» لمايوان (نال جائزة أفضل اكتشاف للممثلة الناشئة نايدرة عيادي).
كذلك نال «الفنان» سيزار أفضل ديكور التي لا معادل لها في الأوسكار، وسيزار أفضل تصوير. وأكمل الشريط الفرنسي مجموعة تماثيله الأوسكاريّة، بجائزة خامسة هي أفضل أزياء. بينما عادت هذه الجائزة في «السيزار» إلى «أبولينيد، ذكريات الماخور» لبرتران بولينو.
بقية تماثيل الأوسكار الذهبيّة توزعت بين كريستوفر بلامر الذي حاز جائزة أفضل ممثل في دور مساعد عن دوره في «مبتدئون» لمايك ميلز، وأوكتافيا سبنسر التي نالت جائزة أفضل ممثلة في دور ثانوي عن دورها في «المساعدة» لتايت تايلور، بينما نال شريط «الأحفاد» لألكسندر باين جائزة أفضل سيناريو مقتبس.
أما في السيزار، فقد نالت كارمن مورا جائزة أفضل ممثلة في دور ثانوي عن دورها في فيلم «نساء الطابق السادس»، وعادت جائزة العمل الأول إلى «خنزير غزة» لسيلفان إستيبال. ونال رومان بولانسكي جائزة أفضل اقتباس عن «مجزرة». وكانت المفاجأة منح فيلم «أنجيل وطوني» لألكس دولابورت، جائزتي أفضل اكتشاف لبطليه كلوتيلد هيم وغريغوري غاديبوا... كما منحت الأكاديمية الفرنسية «سيزار الشرف» للممثلة البريطانية كايت وينسلت. وفي فئة أفضل فيلم أجنبي، انتزع «انفصال» للايراني أصغر فرهادي (راجع الصفحة المقابلة) جائزتي السيزار والأوسكار معاً، متفوقاً على أفلام عدة أولها فيلم Footnote للإسرائيلي جوزيف سيدار الذي كان يسابقه في
الأوسكار.
عثمان...