قبل أيام فقط، أقبل اليمنيون الشماليون بكثافة على صناديق الاقتراع، فيما جهد الجنوبيون في إفشال العملية الانتخابية. انتخب عبد ربه منصور هادي رئيساً لليمن لفترة انتقالية خلفاً لعلي عبد الله صالح. لكن كل هذا لم يمنع انقساماً يبدو أنه بات شبه متأصل بين أبناء البلد الواحد. في كتابه «اليمن السعيد وصراعات الدين والقبلية» (دار مدارك) يرصد الباحث والكاتب سعود المولى هذا الانقسام والصراع في حركته التاريخية. البلد الحاضر في التاريخين القديم والحديث، الذي شهد قيام ممالك واندثار أخرى، وصولاً الى انتشار الديانات السماوية الثلاث فيه، لم يتخط كلياً أقدم أشكال الوحدة الاجتماعية: القبيلة. دخلت الأخيرة، ـــــ وما زالت ـــــ مسار التحالفات والانقلابات والحروب والاقتصاد والسياسة. مثلاً، في الفترة الممتدة بين الأعوام 1438و 1510 تقاسم اليمن الأتراك في الجهات الغربية، والأئمة من بيت شرف الدين في الجهات الشمالية، وآل كثير في حضرموت الذين كوّنوا «الدولة» الكثيرية، مستغلين الفراغ السياسي في منطقتهم. لا يعدم هذا ما كان للأتراك والبريطانيين لاحقاً من دور في إزكاء ثقافة الانفصال بين الجنوب والشمال اليمنيين.
النزعة الى توحيد اليمن موجودة. وقد توحّد بالفعل ثلاث مرات في الإسلام، كان آخرها على يد المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم. لكنّ هذه العملية كانت مدفوعة كسابقاتها بسعي «الموحد» إلى إخضاع قبائل المناطق الأخرى لسلطته. حتى إنّ خروج المحتل البريطاني من اليمن ثم دعوات الوحدة التي تحققت عام 1990، لم تعالج أسباب الانفصال، إذ إنّ الصراع القبلي كان قائماً أساساً بين جنوب يعيش وفرة اقتصادية مستبدلاً النظام القبلي بآخر إقطاعي، وبين شمال تندر فيه الموارد الطبيعية، دافعاً قبائله الى التماسك لمواجهة «الجنوب».
في اليمن الذي ساد فيه حكم «الأئمة»، كرّس هؤلاء الانقسامات المناطقية وربطوها بأدوار سياسية محددة. ثورة 1962لم تغيّر من هذا الواقع شيئاً. انتقلت السلطة من «الأئمة» الى كبار شيوخ القبائل وكبار ضباط الجيش من القبائل.
ثم إنّ المعاملة التمييزية بين يمنيين شماليين وجنوبيين من دون التنبه الى الاختلالات العميقة في توزيع الثروة والسلطة في ظل الدولة الواحدة، تفسّر ـــــ بحسب الكاتب ـــــ ما يسمى اليوم الحراك الجنوبي، المتزامن مع تحرك الشمال الحوثي.
لعل الحالة الحوثية تمثّل أحد أوجه الانشطار الاجتماعي القبلي والطائفي في اليمن. هي الفرقة الزيدية التي تمثل واحدة من فرق التشيع الأكثر قرباً من أهل السنة، تحوّلت إلى العمل المسلّح بعد خلاف فلسفي وداخلي مع محمد سالم عزان، مؤسس «تيار الشباب المؤمن». ورغم أنّ شعار «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام» الذي يرفعه الحوثيون في «معركتهم» قد يحظى بتأييد، إلا أنّ الصراع الفعلي بقالبيه الديني والسياسي بقي مستنداً الى أساس قبلي مناطقي، مغرق في التاريخ. فهل تصلح الثورة اليمنية ما أفسدته القبائل وترسّخ ثقافة المواطنة والمساواة؟