القاهرة | لا يمكن القول إنّها مفاجأة، أن يتقدم نائب سلفي في البرلمان المصري بطلب إحاطة يطلب فيه حجب المواقع «الإباحية». النائب هو يونس مخيون عن «حزب النور» السلفي، الذي حاز مع حلفائه أكثر من ربع مقاعد البرلمان، لكن أيضاً لا يمكن تجاهل أنّ نائباً ليبرالياً معروفاً، هو عمرو حمزاوي، أعرب قبل أسابيع عن تأييده حجب هذه المواقع في لقاء على قناة «الناس» السلفية، مبرراً ذلك بأنّ البرلمانات الأوروبية نفسها شهدت هذا السجال.
هذا الموضوع أيضاً ليس مفاجأة، لأنّ القضاء الإداري المصري كان قد أصدر حكماً قبل ثلاث سنوات يُلزم الحكومة بحجب هذه المواقع، الأمر الذي لم تلتزم به وزارة الاتصالات آنذاك، بدعوى أن الحجب الكامل أمر شديد الصعوبة تقنياً، ومكلف بلا فائدة. وطلبت الحكومة من العائلات مراقبة أبنائها بدلاً من «الحجب».
الواقع أنّ حرية الإنترنت كانت واحدة من المزايا القليلة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. لم تشهد مصر حجباً حقيقياً لأي موقع باستثناءات نادرة جداً. ولم يعد خافياً أن حرية الإنترنت ذاتها أدّت دوراً رئيسياً في إسقاط حكم مبارك. اليوم، مع صعود الإسلام السياسي سلّم السلطة، بدأ الترويج الواسع لتقييد حرية الإنترنت تحت شعارات أخلاقية متّسقة مع خطاب الجماعات الدينية التي بدأت اللعب على هذه النقطة منذ سنوات، إذ نشرت دعاوى من قبيل «معاً لحماية الأطفال من الإباحية». وبينما يعني هذا الشعار في أوروبا منع استغلال الأطفال في تجارة الجنس على الشبكة، فقد استُخدم الشعار نفسه في سبيل منح الحكومات سلطة التحكم في المواد الافتراضية.
وبسبب عدم احتياجهم إليها سابقاً، لم يعرف المصريون ثقافة «البروكسي»، وهي أداة برمجية تتيح تجاوز الحجب، لكنها تؤثر في سرعة الإنترنت. وقد جرّبها بعضهم فترة وجيزة إبان قطع الاتصالات في بدايات الثورة المصرية، لكنّها ستنتشر ولا شك في حال تنفيذ حجب المواقع. حجبٌ يعتمد طريقتين أساسيتين: الأولى، هي حجب «الآي بي» الخاص بالمواقع المُراد منعها. و«الآي بي» هو العنوان الرقمي لموقع الإنترنت. وهذه الطريقة تقلّص فاعليتها في حالة المواقع الجنسية على وجه الخصوص، لأن تلك الأخيرة تعتمد على التغيير الدائم لعناوينها الرقمية للتغلب على جدران الحماية وبرامج الـ«أنتي فيروس». أما الطريقة الثانية، فهي «الفيلتر»، وتعتمد على تشفير كلمات معينة لمنع المواقع التى تستخدمها مثل sex. وتلك الطريقة التي تستخدمها الصين بوفرة مع المواقع السياسية، توصف بأنها «تمنع أقل مما يجب وأكثر مما يجب»، أي إنها لن تمنع جميع المواقع «الإباحية»، لكنها في المقابل ستمنع الكثير من المواقع الأخرى الطبية والعلمية والأدبية التي تستخدم هذه الكلمة بصورة طبيعية.
لم تَردّ الحكومة المصرية بعد على مطالبات النائب السلفي، لكنها ستردّ عاجلاً أو آجلاً، سواء ظلت حكومة كمال الجنزوري تدير البلاد، أو أُلّفت حكومة ائتلاف بقيادة «الإخوان المسلمين». في جميع الأحوال، تبدو المشكلة في عدم بلورة خطاب مضاد لا يقع في فخ الشعار الديني نفسه، ولا يحاول تصنيف ما هو إباحي وما هو غير ذلك، ولا يلجأ إلى منطق «الأولويات الراهنة» على غرار حجة «لنعالج مشكلات الفقر أولاً ثم نناقش مواقع الإنترنت». الواقع أنّ أيّ خطاب لا يدافع مبدئياً عن حرية المعلومات، ويصدّ تدخل السلطة السياسية في تداول مواد الإنترنت، بغض النظر عن نوعها، سيكون خطاباً محكوماً عليه بالتناقض أو الظهور في صورة رد الفعل، أو في أحسن الظروف تأجيل المواجهة.