القاهرة | حتى يوم أول من أمس الثلاثاء، لم يفهم المخرج المسرحي المصري أحمد العطار الأسباب التي حالت دون تقديم «عن أهمية أن تكون عربياً» في بيروت. إذ كان يُفترض أن نشاهد هذا العرض الأدائي على شكل محاضرة في «مسرح مونو» اليوم وغداً. إلا أنّه سرعان ما أُعلن عن إرجائه «لأسباب خارجة عن إرادتنا» بحسب الرسالة الإلكترونية التي وصلت إلى الصحافيين. في لقاء مع «الأخبار»، أكّد العطّار أنّ إدارة «مسرح مونو» أبلغته بأنّ الأمن العام اعترض على كلمات في النص تنتقد نظام حسني مبارك ورموزه.
وعندما طلب الرقيب اللبناني من الفنان حذفها، رفض ذلك وقرّر عدم عرضه البتة. لكنّ المفاجأة الكبرى أنّ الكلمات ذاتها وردت كما هي في العرض ومن دون تدخّلات رقابية خلال فترة حكم مبارك نفسه! إذ شاهد المصريون العمل للمرة الأولى ضمن مهرجان للفرق المسرحية الحرة على خشبة مسرح «روابط» في القاهرة، خلال شهر نيسان (أبريل) 2010. كما أنّ العرض نفسه جال في أكثر من 15 دولة عربية وأجنبية ممثلاً للمسرح المصري، بل برعاية وزارة الثقافة نفسها! حتى إنّ العطّار قدّم عمله على خشبة «مسرح البلد» في عمان منذ أيام فقط من دون تدخلات رقابية! هذا الأمر زاد حيرة الفنان المصري الذي يعجز عن تقبّل فكرة أنّ «مساحة الحرية في لبنان باتت مهددة الى هذا الحد. كما أنّ العمل لا صلة له بالواقع اللبناني لا من قريب ولا من بعيد، ولا يمسّ قضاياه».
ويكشف العطار أنّ الفقرات التي اعترضت عليها الرقابة اللبنانية تنتقد بوضوح التشويه الذي يمارسه الإعلام وتشير الى الفساد الذي كان يقف وراءه المسؤولون والإعلاميون المصريون. ويذكر بالاسم وزير الإعلام المحبوس حالياً، أنس الفقي، والصحافي أسامة سرايا، ورئيس الوزراء المصري عاطف عبيد الذي يحاكم حالياً في قضايا فساد. فيما قالت مصادر لـ«الأخبار» إنّ الرقيب اللبناني لا يمكن أن يسمح بـ«كلمات» تشكّل إساءة لبعض الرموز والشخصيات السياسية، حتى لو لم تعد في الحكم. وقد تحفّظت الرقابة مثلاً على كلمات معينة في العرض، مثل «بضربو بالجزمة» التي جاءت في سياق الحديث عن أنس الفقي. وما زاد «حرص» الرقيب وخوفه هو المناخ السياسي المشحون الناجم عن التطورات المتسارعة في الدول العربية.
يقوم عرض العطار على نوع من التوليف أو الكولاج المسرحي القائم على التعامل مع مكالمات هاتفية حقيقية تلقّاها العطار من أصدقائه ومعارفه وأفراد عائلته، وتتعلّق بالشأن المصري والعالمي والأمور الشخصية والعادية والحياتية. خلال بناء العرض الذي استمد فكرته من نقاش مع صديقه الناشط والتشكيلي حسن خان، اشتغل العطار على حوالى 20 ساعة من المكالمات الهاتفية المسجّلة التي خضعت لعملية إعادة بناء كي تصل الى صيغة عرض جرى تقديمه ضمن خمس نسخ مختلفة.
يرى العطّار أنّ عرضه يقاوم النمذجة ووصفات العروض المعلّبة على صعيد النص ذاته. وهو نص مفتوح أقرب الى اليوميات، وبالتالي، فهو يقبل بالتعديلات وفق الحالة المزاجية للمؤدي، وهو العطار نفسه أو بحسب ما «يقدمه الواقع من أسئلة تحتاج الى صيغة فنية للتعامل معها. لذلك، فكل نسخة تختلف عن النسخ السابقة. العرض الذي قدم في مصر لم يعد هو ذاته الذي قدم في عمان، بل أضيفت إليه مواد تتعلق بالمتغيرات التي خلفتها ثورة 25 يناير». لا يرى العطار أنّ عرضه استقبل في مصر على نحو فاتر، كما يعتقد بعضهم. هو يؤكد أنّ «العمل يتسم بصعوبة في التعاطي معه من قبل جمهور غير مدرّب على عروض مماثلة»، إذ يصفه بالـ«عرض غير الدرامي بالمرة الذي يقوم على استعادة لحظات شخصية مثل إقدامه على الزواج، والتفاصيل المرتبطة بالعيش العائلي، وغيرها من مساحات الأرشيف الشخصي التي تخضع في العرض لمساءلة نقدية قاسية وتقدم كما هي من دون تدخلات». إذاً، لن يتاح للمشاهد اللبناني رؤية هذا المشروع، بعدما رفض الفنان الخضوع للرقابة وتغيير أي كلمة في عمله الذي جال في العالم العربي، لكنّه لم يدخل «واحة الحرية» التي تُدعى لبنان!