أخيراً، صدرت علبة تتضمّن خمسة أفلام وثائقية أنجزها مالك بن إسماعيل بالتعاون مع «المعهد الفرنسي للسمعي البصري» (INA) في باريس. تعرّضت أعمال المخرج الجزائري (1966) للمنع في بلده باستثناء «اغترابات» (2004) الذي عرض مرة واحدة، مصوّراً مصحّة للأمراض العقلية في قسنطينة، وناقلاً واقع المرضى ويومياتهم ضمن استعارة أكبر لأمراض المجتمع الجزائري. مع ذلك، لا يرى المخرج مبرراً للتعتيم والرقابة على أعماله: «الأشرطة الوثائقية تنقل حقيقةً اجتماعية وسياسية تحرج الرسميين. الواقع يعتبر دوماً مصدر إزعاج للأنظمة الاستبدادية».
شريط «اللعبة الكبرى» (2005) يمثّل أحد الأعمال الأكثر إثارةً للجدل في تجربة المخرج. في هذا العمل، تابع الحملة الانتخابية التي قادها الأمين العام لـ«حزب جبهة التحرير الوطني» الأسبق علي بن فليس عام 2004، ووقف خلالها في وجه الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة. شريط ينقل الوجه المظلم من اللعبة السياسية في الجزائر تضمن شهادات شخصيات معروفة أجمعت على عدم شفافية الانتخابات وتلاعب الجيش بالنتائج التي أدّت إلى فوز بوتفليقة. «الأفلام التسجيلية بارومتر الديموقراطية. وما دامت المجتمعات تمنع أشرطة الهواة التسجيلية، فهي تحدّ من الحرية والديموقراطية» يقول بن إسماعيل. أما الشريط الثالث «الصين ما زالت بعيدة» (2008) فينبش التاريخ الموازي لجزائر الخمسينيات، انطلاقاً من واقعة اغتيال مدرسين فرنسيين عام 1954 في إحدى قرى ولاية باتنة الواقعة على سفوح جبال الأوراس، وإعلان بداية الثورة التحريرية. ويتابع في «عطلة رغم كل شيء» (2000) رحلة عودة عائلة مغتربة في فرنسا إلى بيتها في الجزائر. يستعيد بنبرة كوميدية نوستالجيا البيت العائلي، وحميمية العيش المشترك في المجتمع الجزائري. وتضمن القرص أيضاً فيلماً قصيراً لبن إسماعيل بعنوان «ديموقراطية» (2001). أشرطة بن إسماعيل تقترب من الهامش، تحاول متابعة تطورات المجتمع لتصنع أرشيفاً للعقود القادمة. إنّه فراغ الذاكرة، ما يدفعه إلى البحث عن شخصيات مميزة وتصوير مساراتها، رغبة في تجنب أخطاء الآباء الذين نسوا أرشفة ماضيهم بالصوت والصورة. المخرج يتحسّر على فشل السينما الجزائرية في التعبير عن نفسها، وعجز القائمين عنها في إنجاز فيلم عن الشخصية الرمز الأمير عبد القادر، وبحثهم عن مخرج أجنبي لتصوير سيرته. بن إسماعيل يؤمن بأنّ السينما تولد من المجتمع الذي يصنع صورته بنفسه ويملك الحق في تصديرها بما يتوافق مع تطلعاته.