صنعاء | يبدو المشهد محزِناً على الساحة اليمنية: «ثورة الشباب» التي نجحت في خلع الطاغية علي عبد الله صالح، لا تزال عاجزةً عن إخراج الصحافي عبد الإله حيدر شائع من معتقله، الذي يقيم فيه منذ 16 آب (أغسطس) 2010. ورغم أنّ الرئيس اليمني غادر البلاد، إلا أنّ الذهنية التي حكم بها اليمن لثلاثة عقود لا تزال تنكشف تفاصيلها يوماً بعد يوم. ولعلّ أبرز الأوراق التي استخدمها الديكتاتور المخلوع لإحكام قبضته على البلاد كانت ... «القاعدة»، إذ كان صالح يستخدم التنظيم كفزاعة لدى السلطات الغربية لتبرير استمراره في الحكم في محاولةٍ للإيحاء بأنه الوحيد القادر على لجم هذا التيار الأصولي.
هنا تحديداً، يبدو أن عبد الإله حيدر شائع أزعج النظام. كان الصحافي الوحيد الذي أجرى مقابلات مع قياديي «القاعدة» في اليمن. وعندما طلبت منه السلطات التجسّس على هذا التنظيم، رفض، وهذا ما كلّفه غالياً.
هكذا اختطف من منزله واختفى لفترة من دون أن تعرف عائلته مكان وجوده. ولم يكشف عن مكان إقامته مع زميلين له إلا بعد ثلاثين يوماً (تم الإفراج عن واحد منهم لاحقاً). وبعد وضعهم في أقبية جهاز الأمن القومي، نقلوا إلى سجن الأمن السياسي (الاستخبارات). وصباح 19 أيلول (سبتمبر) 2010، بدأت جلسة التحقيق مع شائع، كشف خلالها عن تعرضه للاعتداء بأعقاب البنادق، ما أدى إلى إصابته في صدره وفي أماكن متفرّقة من جسده، كما فقد إحدى أسنانه. ثمّ كشف لاحقاً عن سجنه في دورة مياه مليئة بالقاذورات لخمسة أيام في مقر جهاز الأمن القومي. أما محاكمته فكانت تجرى أمام محكمة غير دستورية تأسّست بقرار جمهوري ضمن خطوة مخالفة للدستور. وقد غابت عن هذه المحاكمة الأدلة التي تدينه، فيما تم تثبيت التهمة الموجّهة إليه وهي ارتباطه بجماعة إرهابية وتقديم العون الإعلامي لها. إذاً، أمام محكمة أمن الدولة، صدر حكم بسجنه لخمسة أعوام ومنعه من مغادرة صنعاء، ووضعه تحت الرقابة عامين. بدا واضحاً أن العملية مجرّد انتقام من صحافي لم يرضخ للسلطة.
دخل الحكم حيز التنفيذ تزامناً مع خروج حملات تضامن نقابية محلية ودولية أدت إلى إجبار علي عبد الله صالح على توقيع عفو رئاسي لإخراج شائع من سجنه. لكن ما حصل لم يكن متوقعاً: اتصل صاحب «جائزة نوبل للسلام» باراك أوباما بصالح، معبّراً عن قلقه «العميق من الأخبار التي وصلت إليه وتقول إنّه قرّر الإفراج عن الصحافي شائع». هذا الاتصال كان كافياً لعرقلة خروج الصحافي من السجن. لم يكن شائع يعرف أنه يدفع ثمناً إضافياً بسبب كشفه حقيقة عمليات قصف قامت بها طائرات أميركية من دون طيار لمنطقة يمنية آهلة بالسكان عام 2009. وأدت العملية يومها إلى وفاة 40 مواطنا يمنياً، معظمهم من النساء والأطفال. وهو ما نفته السلطات اليمنية والأميركية لتكشفه وثائق ويكيليكس بعد وقت قصير. إذاً، بقي حيدر في سجنه تنفيذاً لرغبة أوباما «شرطي العالم» الذي رأى في خروج هذا الصحافي تهديداً لأمن أميركا القومي.
وقبل أيام، خرجت إلى النور حملة تضامنية جديدة قررت التوجه في مسيرة احتجاجية صوب مبنى السفارة الأميركية في صنعاء. لكن سفير «أعظم دولة في العالم» جيرالد فايرستاين استبق المحتجين بتصريح قال فيه إن شائع مسجون على ذمة قضية جنائية ولا يقدر أحد على التدخل فيها، فتوقفت تلك الحملة في انتظار تصعيد جديد.
باختصار، يعيش هذا الصحافي اليوم ظروفاً صعبة تهدد صحته وحياته برمّتها. ولهذا دخل مرحلة الإضراب عن الطعام بعدما وجد نفسه وحيداً. أما ذنبه فهو أنه مارس عمله بمهنية، رافضاً أن يصبح لعبة في يد سلطة لا تحترم مواطنيها، وغرور دولة عظمى لا ترحّب بأي صحافي يكشف عن جرائمها.