نادرة هي البواكير الشعرية التي يبدو أصحابها ناضجين تقريباً أو على دراية مدهشة بالكتابة، مقابل بواكير كثيرة متعثّرة أو عجولة أو بين بين. باكورة هدى أشكناني هي خليط من النوع الثاني. تحت عنوان «سماء تبحث عن غطاء» (دار الغاوون)، تكتب الشاعر الكويتية الشابة (1986) قصائد قصيرة عالقة في حيّز الكتابة البوحيّة والوجدانية، حيث الشعر حاضر مع شوائب لغوية زائدة أو تعبيرات جاهزة أو استعارات لا يهتدي القارئ بسهولة إلى طرفي التشبيه فيها. هناك لغة قوية مصحوبة برغبة مماثلة لدى الشاعرة في توثيق لحظات وشذرات شخصية، لكن عُدَّتها الشعرية الغضّة تخذلها أو تحرّف الجملة الشعرية عن هدفها المأمول. في قصيدة «اغتراب»، تحضر معظم هذه الصفات، بل إن مفردة «بوح» وحدها تحضر مرتين: «ما زالت السحبُ المهاجرة/ تصغي إلى دقات الاغتراب/ ألن تعود؟/ ربما الفراغات وحدها التي/ تملؤني بوحاً ستوقف/ تمدد الأجنحة/ عُدْ/ لتعانق خطيئة جنتي/ لترسم للغفران فيّ خزامى/ حيث الغياب بوحٌ لا يكتمل».
لا تنجزُ اللغة هنا معنىً واضحاً ودقيقاً يمكن تسليمه للقارئ أو إدهاشه به. ما نقرأه هو تمارين مكررة على ممارسات شعرية انتهت صلاحية استثمارها تقريباً. اللغة نفسها تتواصل في مقاطع كثيرة لا توصلنا إلى خاتمة تلمُّ شتات السطور التي قبلها. في قصيدة «أرجوحة»، نقرأ: «حينَ لامستُ رنين جنوني/ ورهنتُ اللاوعي المتناقض فيّ/ تسوَّرتُ الدفء/ فنسجتُ قناديل الوقت الهاربة/ من فوضى السماء»، حيث يصعب أن نجد علاقة واضحة تربط كل سطر بما يليه، ويصعب ـــــ بالتالي ـــــ أن تصل السطور ذاتها إلى نهاية لائقة لإقفال المعنى.
نظن أن حضور الرجل/ الآخر سيُخفف من ذلك، لكن التهويم يستمر: «ما تختزنه من لهب عنيد/ لم يخلُ من فضول الأسئلة/ غامضٌ بلا رحمة/ صمتك العاجيّ يصيبني سراً/ فأهذي لتخرج ذاتي/ وتكشف مدنكَ القاتلة». قد تنجح الشاعرة في كتابة مقاطع أقل تهويماً، كما هي الحال في «يقين»: «بين شقين/ من عتمةٍ ونور/ تحاولُ فراشةٌ/ استرداد يقينها»، ولكن ذلك يبدو استثناءً عابراً لا يكفي لإنجاز جودة شعرية موازية للمذاقات العادية في المجموعة. المفارقة أن قوة الشاعرة وضعفها موجودان في لغتها التي تحلق فوق المعنى بدل أن تتمرغ به، أو تكتفي بما هو موجود ومستهلك بدل البحث عن معجم أكثر ذكاءً.