كان المطر يبلّل دمشق، حين قصدنا المزة للقاء «حسناء الشاشة السورية». تصر نسرين طافش على لقائنا في مكتب مجلة «نسرينا» التي أسّستها وتديرها حالياً. تتجاوز عقارب الساعة الموعد المحدد بكثير، ولمّا تأتِ نسرين بعد. نحاول إمرار الوقت بالتجوال بين مكاتب المجلة. نتحدّث إلى الموظفين. يتفق الجميع هنا على أنّ طافش صديقة بالنسبة إليهم، وليست مديرة، خصوصاً أنّها تصغر بعضهم سنّاً. فجأةً، تطل علينا سيدة ثلاثينية، متّشحة بسواد زادها أناقةً وجمالاً. حضورها الآسر لا يترك لنا فرصةً لنعاتبها على التأخير. تخلع معطفها، وتخوض في حديث طويل لا يترك مجالاً للشكّ في أنّ الممثلة الشابة مطّلعة على كلّ ما يجري في سوريا.
ابنة الكاتب والشاعر الفلسطيني يوسف طافش، ولدت في الشام لأمّ جزائرية. بقيت فلسطين عالقةً في وجدانها. لكنها تشعر أنّ سوريا عوّضتها كثيراً عن بلدها الأصلي. في مدينة حلب، بدأت نسرين رحلتها وسط الأمسيات الأدبيّة التي كانت تجمع عدداً كبيراً من المثقفين في منزل أبويها. تتذكر جيداً يوم أراد والدها أن يتفاخر بها أمام أصدقائه، فطلب منها أن تغنّي أمامهم «غسِّل وجهك يا قمر»، لريمي بندلي. يومها حظيت بالجرعة الأولى من التشجيع، وطربت لصوت التصفيق. «لم أكن أعي كلماتهم، لكنّني شعرت أنّي أبليت حسناً، وتجاوزت الخجل الذي كان يرافقني في العادة».
إلى جانب موهبة الغناء، كانت ترافقها رغبة دائمة في تركيب المقالب للجيران والأهل. كانت تتسلَّل دائماً خارج المنزل، بعد أن تتنكر بزي ما، ثمّ تقرع الباب، لتترك أهلها في حيرة من أمرهم إزاء الزائرة الغريبة. «كاد والدي يصفعني في إحدى المرات، لأنني أدّيت الدور بطريقة ممتازة، وأقنعته تماماً بأنّني متسوّلة متطفّلة جداً». الطفلة المدلّلة، وآخر العنقود، كانت تنتظر بفارغ الصبر، صباح كل يوم، ساعة وصولها إلى المدرسة. هناك ارتبط اسمها بالمشاكل، إلى درجة أنها كانت أوّل من يخطر في بال المعلّمات عند وقوع أي شغب. ستدور عجلة الزمن، لتلتقي نسرين الكبيرة بإحدى السيدات الحلبيات مرّة. أخبرتها بأنّ الطالبات في مدرستها القديمة ما زلن يقرأن عبارات كتبتها على الجدران منذ سنين، ومنها: «عصابة الكف الأسود بقيادة نسرين طافش». متعتها الإضافية كانت المشاركة في الأنشطة المدرسية والمهرجانات، إذ كانت تحرص على تقديم اسكتشات وأغنيات وطنيّة مع بعض زملائها. بعض تلك المهرجانات كانت تقام في محافظات ومدن سوريّة أخرى، ما شجّعها في ذلك الحين على الابتعاد عن أهلها، والاعتماد على نفسها.
السؤال عمّا ستصيره في المستقبل كان عبثياً بالنسبة إليها. لم تكن تعرف ماذا ستصبح، ولم تتمكن من بلورة أحلامها: «كنت أجيب من يسألني بطريقة هزلية، فأقول سأصبح بائعة فلافل ماهرة». في تلك الأيام، كان ينقص حياة الطفلة الشقية قصة حب، كي تكتمل الرواية. وعلى منوال أفلام السينما، كان الحب جاهزاً عند الجارة العجوز أم كامل، وتجسّد في حفيدها الوسيم سامي الذي كان يزورها باستمرار، وصار معشوق نسرين الأوّل. لا تزال حتى اليوم تتغزل بوجنتيه وعينيه. تتصل بشقيقتها لتؤكد لنا حقيقة هذه القصة وأهميتها بالنسبة إليها.
في الصف الأول الثانوي، كان والدها يكتب مسلسل «حي المزار»، فاقتحمت غرفته، وطلبت منه أن يتدّخل لدى مخرج العمل كي يسند إليها دوراً في المسلسل لأنها تنوي التمثيل. لكنّ الأب رفض رفضاً قاطعاً طلبها. وعندما لمح في عينيها تصميماً واضحاً، وافق على الفكرة، شرط أن تدرس التمثيل في المعهد. «صرت أعدّ الأيام، وأنتظر بشغف لأصل إلى دمشق كي أتقدّم إلى «المعهد العالي للفنون المسرحية»، وأبدأ بتحقيق حلمي». تجاوزت امتحان القبول إلى المعهد، متسلّحةً بتراكم ثقافيّ غرفته من مكتبة والدها التي حوت أمهات الكتب، وأهم الروايات والمسرحيات العالمية، إضافة إلى روائع الموسيقى الكلاسيكية. في اليوم الأول من الدوام، وصلت متأخرة إلى المعهد بسبب سفرها من حلب وتوجهها إلى المدينة الجامعية لتوضّب أغراضها. وفي قاعة المعهد، ستلتقي أستاذها جمال سليمان الذي لمح الدلال الواضح على الطالبة المتأخرة منذ اليوم الأول، تماماً كما لمح الموهبة، فقرَّر أن يعاملها بشيء من القسوة المقصودة. في إحدى المرات، وبّخها على الملأ في ممرّ المعهد، وعلى مسمع من الطلاب. «بعدها صار اسمي الطالبة التي وبخها جمال سليمان». ترك الأخير أثراً كبيراً في الممثلة السوريّة، علّمها أصول الأخلاق المهنية التي يفتقدها كثيرون في الوسط الفني اليوم. كذلك تأثرت بأساتذة آخرين منهم فايز قزق، ونائلة الأطرش، وغسان مسعود الذي علّمها عشق المسرح، ولا تزال تعتبر بسام كوسا أحد أساتذتها المهمين. «كان واحداً من أهم الأشخاص الذين تعلمت منهم بعيداً عن قاعات التدريس».
أثناء سنواتها الجامعيّة الأولى، تعرّف إليها المخرج الشهير حاتم علي، منحها فرصة ذهبية، من خلال إسناد دور البطولة إليها في مسلسل «ربيع قرطبة». هكذا، تربّعت على عرش الشهرة من خلال شخصيّة صبح، ووقفت أمام كبار النجوم السوريين. جسدت المشهد الأول ببراعة شديدة، لأنها كانت على موعد مع حلمها القديم الذي شعرت أنّه بدأ يتحقّق.
منذ ذلك الوقت، لفتت نسرين طافش بأدائها المميز، ونافست النجمات السوريات لأنها جمعت الموهبة إلى جانب الجمال والكاريزما. تحوّلت إلى نجمة تلفزيونية بسرعة، فتوالت أدوارها وتكدّست نجاحاتها، من «أحلام كبيرة»، إلى «رجال تحت الطربوش»، و«على طول الأيام»، «التغريبة الفلسطينية»، و«الانتظار»، و«صدى الروح»، «السراب»، و«جلسات نسائية».
ارتبطت نسرين برجل أعمال إماراتي، لكنّها حرصت على إبقاء حياتها الخاصّة بعيدةً عن الإعلام. أسّست شركة «ميراج» للإنتاج الفنّي، وفي رصيدها حتى الآن مسلسل واحد هو «كريزي»، وتستعد لإنجاز مسلسل رابعة العدوية الذي كتب نصّه عثمان جحا وستجسد دور بطولته. كذلك أسست مجلة «نسرينا»، ذات الهدف الاجتماعي والثقافي، «بعيداً عن أيّ غايات ربحية»، كما تقول. تواجه شائعة إطلاقها لمشاريع سكنية ضخمة بموجة من الضحك، لأنّها أبعد ما تكون عن إدارة المشاريع التجارية، كما تقول.
بعد نجاحها في شخصيّة هالة في مسلسل «جلسات نسائية» للمثنى صبح، تصوّر حالياً بطولة مسلسل «بنات العيلة» لرشا شربتجي، وتُعدّ بهدوء لبدء إنتاج مسلسل «رابعة العدوية... العشق الإلهي» الذي يفترض أن تصوّره في لبنان قريباً.
يشاركنا الحوار جميع نجوم الوسط الفني الذين صمّمت لهم نسرين لوحة تعلّقها في عمق مكتبها. وعمّا تشهده الساحة السوريّة اليوم، تفضّل طافش الإجابة باختصار: «علينا الاحتكام إلى العقل، والعودة إلى البيت السوري لحل أيّ مشكلة».
الحبّ هو الضرورة الأولى في الحياة بالنسبة إلى الممثلة الشابّة.
لكنّها لو امتلكت آلة الزمن، وعادت بالوقت إلى الوراء، لتمنّت ألا تكون موجودة على الإطلاق في هذا العالم... «لأننا نسير جميعاً باتجاه العدم لا محالة».



5 تواريخ


1982
الولادة في حلب

1999
انتسبت إلى «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق

2003
منحها حاتم علي دور صبح في «ربيع قرطبة» في أولى بطولاتها التلفزيونيّة

2011
أدّت بطولة «جلسات نسائية»
للمثنى صبح

2012
تصوّر دورها في مسلسل
«بنات العيلة»، وتستعدّ لإنتاج مسلسل «رابعة العدويّة... العشق الإلهي»