على خلاف نظرائهم في تونس والمغرب، سجّل مغنّو الراب في الجزائر غياباً شبه تام عن الأحداث. غالبية الفنانين المعروفين تفادوا الخوض في التطورات السياسية، والقلة التي عبّرت عن رأيها، فعلت ذلك بما يتماشى مع توجهات السلطة الرسمية. حين أصدر صولو مونتانا الفنان الجزائري المغترب في كندا كليبه «أتّهم» في شباط (فبراير) 2011، مشيراً إلى أنّ العسكر يجرّون البلاد إلى الهاوية، وداعياً الى «كسر منطق الجنرالات»، تنبأ بعضهم بعودة الراب الجزائري الى الواجهة، تزامناً مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وبزوغ أمل بتغيير سلمي مشابه لما حدث في تونس ومصر، لكن سرعان ما خابت الظنون بعد مرور الزوبعة بسلام وتراجع المغنين عن مواجهة النظام.
مغني الراب فوزي اتونتا المقيم في باريس، يعلّق على حالة الركود التي تشهدها أوساط الراب الجزائري قائلاً: «تسارع الأحداث لم يسمح لغالبية المغنين بفهم ما جرى. تضارب التقارير الإعلامية، وتصاعد الحديث عن نظرية المؤامرة، شتّتا أفكار البعض».
الخطاب السياسي الذي ساد الجزائر منذ النصف الأول من العام الماضي، صبّ في خانة الترويج لفرضية المؤامرة الخارجية. النظام حاول الدفاع عن نفسه ودحر الغليان الاجتماعي بتسويق الشائعات والمغالطات التي انساق اليها بعض المغنين، أمثال كريم الغانغ (1984) الذي بدأ مسيرته الفنية مع فرقة Soldats de l’Est (جنود الشرق) التي اشتهرت بأغنياتها الناقمة على الوضع العام في بلد المليون ونصف المليون شهيد. هذا قبل أن يصدر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي فيديو كليب «الزعيم لم يمت»، قدّم فيه مرثية لمعمر القذافي، مع رسالة تهديد شديدة اللهجة إلى الثوار، ودعوة صريحة إلى الانتقام منهم. إذ قال: «يا حقار اقسم بالله نشعلك... نشعل فيك النار... يا ثوار الناتو كيف تفكروا؟...الرجل جريح واسير كيفاه تقتلو؟». وصرّح «مغني الراب الخطير» كما يلقّب نفسه بأنّ دفاعه عن العقيد السابق نابع من «قناعته بدوره الإيجابي في خدمة ليبيا، ودفاعه عن المصالح المشتركة التي كانت تجمعه بالجزائر». ويقاسمه الرأي المغنّي فارس ولد العلمة، الذي دعا الى تجنب التغيير في الجزائر بأغنية ربط فيها بين الربيع العربي ومخطّط صهيوني للهيمنة على المنطقة.
تاريخياً، يعدّ الراب الجزائري مؤسس فعل الاحتجاج في منطقة المغرب الكبير. برز غداة أحداث 5 أكتوبر 1988، وخاض نمط الـ «هارد روك» وانتقاد الوضع السياسي باكراً، وخصوصاً مع فرق «أنتيك»، «حامة بويز» و«أم.بي.أس» قبل أن ينتقل الى المغرب ثم تونس. أما اليوم، فحضوره صار باهتاً. المغني الشهير لطفي دوبل كانون، الذي نال شعبية من ألبوماته الثنائية مع المغني وهاب، انتقل الى فرنسا وانسحب من الساحة، وراح يخاطب محبيه بفيديوهات على يوتيوب تدعو الى التهدئة وعدم الانصياع الى دعوات الثورة. حالة الشتات التي يعيشها مغنو الراب الجزائريون يبرّرها فوزي اتونتا بغياب الشخصية الكريزماتية التي من شأنها قيادة الحراك. «لاحظنا أنّ التظاهرات الاحتجاجية يقودها زعيم حركة «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية» سعيد سعدي. خطاباته لا تهدف إلى التغيير بقدر ما تهدف إلى كسب تعاطف التلفزيونات الغربية».
بينما قاد مغنّو الراب في تونس والمغرب ثورتهم انطلاقاً من قناعتهم بالتغيير، ما زال نظراؤهم في الجزائر يبحثون عمن يلمّ شملهم. وسط الركود الحالي وانتشار رقعة الإحباط، تسعى المؤسسة الرسمية إلى استغلال أصوات الشباب في خدمة مصالحها، إذ أعلن الديوان الوطني للثقافة والإعلام ــ منظم كبريات المهرجانات في الجزائر ــ نيته احتضان مغنّي الراب الشباب ضمن مهرجان شعبي سيقام في الجزائر العاصمة، وسيشرف عليه لطفي دوبل كانون!



«ربّي يهدينا»

منذ انطلاقته منتصف التسعينيات، شكّلت أغنيات الرابر الجزائري لطفي دوبل كانون (لطفي بلعمري/ 1974)، بنبرتها الناقدة للسلطة، مصدر إلهام للشارع الجزائري. لكنّ لطفي تغيّر بعد الربيع العربي. اتخذ مواقف قريبة من النظام في بلاده، مدافعاً عن خيارات السلطة. عرض الموقع الإلكتروني لصاحب «كاميكاز» مقطع فيديو مطلع العام الماضي، يدعو فيه الشباب إلى توخّي الحذر وعدم المشاركة في مسيرات الاحتجاج، بوصفها تستبطن أغراضاً خفيّة وتحرّكها أطراف أجنبيّة. كما قام المغنّي الشهير بإطلاق برنامج بعنوان «ربي يهدينا» على موقع يوتيوب خصصه للمواعظ والإرشاد الديني.