ليس اقتباس شكسبير سينمائياً بالمهمّة السهلة، خصوصاً إذا أراد صنّاع الفيلم نقل الأحداث إلى زمننا. يحتاج ذلك إلى كاتب سيناريو بارع، ينفخ روحاً حديثة في النص الشكسبيري، وإلى مخرجٍ قادر على وضعك في أجواء النص الأصلي من دون خيانة. لكنّ زمن اليوم يبدو مغرياً لسياقات شكسبيريّة، وخصوصاً في أوروبا حيث تدور أحداث شريط «كوريولانوس» لرالف فينيس. الاضطرابات السياسية، والأزمة الرأسمالية العميقة، تحبطان الناس وتقلقان السياسيين. وفي انتظار من يملك حلاًّ لكل هذه المشاكل، تزداد الحملات الانتخابيّة سخونة، وتبرع في تقديم الوعود. ويبقى الحلّ في كيفية مخاطبة الجماهير... لكن ماذا لو كان المرشح يمقت الجماهير؟
قرّر رالف فينيس خوض هذه المغامرة بعدما وجد تشابهاً بين الأحداث التي وقعت في القرن الخامس قبل الميلاد وما يحدث الآن... في أوّل تجاربه الإخراجيّة، يقتبس الممثل الإنكليزي تراجيديا شكسبير «كوريولانوس» بالتعاون مع كاتب السيناريو جون لوغن. عرض العمل للمرة الأولى في النسخة الأخيرة من «مهرجان برلين السينمائي»، وهذه المرة الأولى التي يقتبس فيها هذا النصّ في الفنّ السابع.
بنيت التراجيديا الشيكسبيرية على قصة حياة القائد الروماني غايوس مارشوس. تدور الأحداث في روما، حيث تمنع الحبوب عن الناس. يصبّ هؤلاء جام غضبهم على مارشوس (رالف فينيس)، المسؤول عن حماية المخازن الذي يمقت العامة أصلاً. في تلك الأثناء، يقترب جيش العدو من روما، بقيادة تولوس أوفيديوس (جيرارد بتلر). يخرج مارشوس من الحرب منتصراً، ليمنح بعدها لقب «كوريولانوس»، ويقرر خوض الانتخابات مستفيداً من الشعبية الجديدة التي حصل عليها، بتشجيع من والدته فولومنيا (فانيسا ردغرايف) ومعلّمه مينينيوس (براين كوكس). لكنّ أموره تتعثّر... فهو متحدث سيئ، وصادق مع نفسه ويهين العامة بعد نزوله إلى الشارع لضمان الأصوات، ويتسبب ذلك في طرده من روما. حينها، يلتقي بعدوّه أوفيديوس الذي يعرض عليه خدماته، ويقرر الاثنان الهجوم على روما وتدميرها انتقاماً.
قد تكون اللغة الكلاسيكية المستخدمة عائقاً أمام المشاهد. كما أنّ توظيف «الأكشن» جاء في خدمة الدراما، ما أفقد الفيلم بعض السلاسة... إلا أنّ رالف فينيس نجح في الحفاظ على روح النص المسرحي، من دون السقوط في الترفيه الأجوف... والأهم أنّه أظهر أنّ عمل شكسبير راهن أكثر من أي وقت آخر.

«سينما سيتي» (01/899993)، «أمبير دون» (01/792123)