«أنا… سؤالٌ إجابةً عن سؤال»، تقول الشاعرة البولونيّة في قصيدتها «سماء» («النهاية والبداية»، ١٩٩٣)، مخترقةً غشاءً سميكاً من اليقينيات التي حاصرت عصرها ومجايليها. فيسوافا شيمبورسكا (١٩٢٣ ــــ ٢٠١٢) استغرقت في النعاس ليلة الأربعاء/ الخميس، في كراكوفيا حيث أمضت الجزء الأعظم من حياتها. بلغة عذبة، عالجت صاحبة نوبل (١٩٩٦) مشاغل كونيّة، وتعاملت بدهشة مع أبسط تفاصيل الواقع، كأنما لتفلت من غياهب العدم. شُغلت بالهوامش التي توسّع المنظور الزماني ـــ المكاني للقصيدة، وبالتالي للوجود. «من ينظر من الأعلى/ يسهل عليه أن يخطئ» تعلّق على مشهد لقاء عابر بين مجهوليْن تراءى لها من النافذة، في قصيدة عرّبها الشاعر العراقي هاتف جنابي مباشرة عن البولونيّة (راجع موقع «جهات»).
شعرها ينضح سخرية، وصفاءً موشّحاً بالمرارة. لقد شُغلت على امتداد عشرين مجموعة شعريّة بصعوبة التواصل مع الكون الذي يمتدّ أمامها احتمالاً خصباً يستعصي على الاقتحام. قبل أن تحملها الأكاديميّة السويديّة إلى العالميّة، كانت شيمبروسكا معروفة على نطاق واسع في بلادها (وفي اللغة الألمانيّة). ومنذ رائعتها «في حالة» (١٩٧٢)، حازت اعتراف أقرانها وفي طليعتهم مواطنها تشيسواف مييوش (١٩١١ ـــ ٢٠٠٤) الذي سبقها إلى نوبل (١٩٨٠). بعد بدايات في مدار «الواقعيّة الاشتراكيّة»، ابتعدت عن السياسة بمعناها الحصري، لكنّها لم تتخلّ عن نظرتها الجذريّة إلى الواقع. رفضت مصادرة ديناميّة الحياة وتعقيداتها بمقاربات تبسيطيّة. دافعت عن حيرتها، وعن «الحق في السذاجة». كتبتْ: «لتعذرْني المصادفة إذا سمّيتها ضرورة»، أو: «كيف ترانا نعيش/ سألَني في رسالة/ شخص كنتُ بالضبط/ سأطرح عليه هذا السؤال».