بدأت حكايته في 2008، لكنّها لم تنتهِ حتى الآن. فصول الحكاية تقول إنّ كتّاب التاريخ المصري لن يستطيعوا تجاهل اسم الناشط الشاب أحمد ماهر المنسّق العام لـ«حركة شباب 6 أبريل». طبع أحمد الهادئ يخفي خلفه شخصيّة ثوريّة من الدرجة الأولى، استطاعت ــ مع مجموعة من الشباب ـ مواجهة دولة بكل أجهزتها الأمنية. تعرضوا للقمع، والاعتقال، والتعذيب. منعوا من التظاهر، واتهموا بتلقّي الأموال من الخارج، والعمل لحساب الغرب. لكنّهم أصرّوا على مواصلة الطريق. «سقط مبارك، لكنّ نظامه لم يسقط»، يقول. يصرّ ماهر على أنّ الثورة لا تزال مستمرّة، ويجب أن تظلّ كذلك حتى ينتهي الاستبداد، و«يغور الظلم، ويزاح الفساد، ويرحل حكم العسكر».
الثورة دائمة عنده لأسباب كثيرة: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، كما يقول شعار الثورة الشهير. «المصريون غارقون في الأزمات منذ بداية الثورة، والهدف أن يكفر الناس بثورتهم. ما زال الثوّار يحاكمون أمام القضاء العسكري، وهناك بطء في محاكمة رموز النظام السابق».
قبل عام، لم يكن أحد يتخيّل ـــ بمن فيهم ماهر ـــ أن يخرج ملايين المصريين للتظاهر ضدّ نظام مبارك وأجهزته القمعية. لم يتوقع أحد أن ينجح الشباب في إسقاط نظام استخدم كلّ أذرعه الأمنيّة والسياسيّة والإعلامية، لإدخال شعبه في نفق الصمت والفقر، رغم أنّ «حركة 6 أبريل» كانت احدى الجماعات التي دعت إلى التظاهر يوم 25 كانون الثاني (يناير) 2011، رفضاً لتجاوزات وزارة الداخلية، وعمليّات التعذيب الممنهج في أقسام الشرطة والسجون.
حضر ماهر عدداً من الاجتماعات التنسيقية للإعداد لتظاهرات «25 يناير». مع رفاقه في باقي الحركات السياسية المعارضة («اتحاد شباب الثورة»، و«حملة دعم البرادعي»، و«كفاية»، وغيرها...)، توقّعوا أن يخرج العشرات، ويمرّ اليوم كأيّ يومٍ آخر. سيغلق الأمن الشوارع، ويعتقل عدداً من النشطاء. توقّعوا. لكنّهم استحدثوا أسلوباً جديداً للتظاهر: أن تخرج التظاهرات من الأماكن الشعبية، وتتوجّه إلى الميادين العامة، وأن يكون التركيز على هتاف: «يا أهلينا ضمّ علينا». يتذكّر أحمد ما حدث معه صباح «25 يناير»: «توجّهت في الصباح إلى غرفة العمليات التي تمّ تخصيصها لمتابعة النشطاء والتجمعات الشبابية، والتحرّك بالمحامين إلى أقسام الشرطة في حال القبض على أيّ من النشطاء. أجريت اتصالات بنشطاء في الاسكندرية، والسويس، والمنصورة، ومناطق أخرى من القاهرة، وكانت الأمور كلّها تسير على ما يرام». عند الثانية من بعد ظهر «25 يناير» تقريباً، ترك ماهر غرفة العمليات. «توجّهت إلى ميدان مصطفى محمود، والتقيت هناك بمسيرة قادمة من منطقة ناهيا في الجيزة، وتحركت معها». ومن هناك، بدأت الثورة التي «لا ينبغي أن تنتهي إلا بعد استكمال أهدافها»، يقول. «العسكر يسيرون على نهج مبارك نفسه، وعنادهم يعني أنّ نهايتهم ستشبه نهايته». لهذا، لا يحبّذ اعتبار الذكرى الأولى لـ«25 يناير» يوماً احتفالياً، بل «موجة ثانية من الثورة المصرية، ضدّ العسكر الذين يحاولون سرقتها. لا بدّ من أن يعود العسكر إلى ثكنهم، ويسلّموا السلطة إلى مدنيين».
بدأ أحمد ماهر نشاطه الثوري قبل سنوات من «يناير 2011». شارك في تظاهرات حركة «كفاية» للتضامن مع مطلبها في استقلال القضاء. تعلّم من قيادات الحركة التي هتفت في الشوارع، وأمام النقابات المهنيّة ضدّ مبارك والتوريث. «احتضنت «كفاية» الشباب، وخرجت من جعبتها أغلب الحركات السياسية الفاعلة في ثورة «25 يناير»، يقول. «بل إنّ «حركة 6 أبريل» مجموعة من شباب «كفاية»»، يقول أحمد مسترجعاً أحداث المحلة الكبرى في 6 نيسان (أبريل) 2008. نشأت الحركة الشابة عقب الإضراب العام الذي شهدته مصر، بدعوةٍ من عمال المحلّة الكبرى، كما تقول عنها «ويكيبيديا». لكنّ أحمد ماهر يعرّفها بأنّها الحركة التي «غيّرت شكل مصر كلّها، وحرّرت الشعب المصري من عقدة الخوف، جنباً إلى جنباً مع الحركات السياسية الشبابية الأخرى». في أيار (مايو) من العام نفسه، اختطف الأمن أحمد ماهر ثمّ أفرج عنه، قبل القبض عليه بعد ذلك في تموز (يوليو) في الإسكندرية. «ذكريات»، يقول هذه الكلمة مسترجعاً عدد المرات التي اعتقل فيها، ووصلت إلى خمس. «لم نكن نعرف حينها أنّنا بذلك نحرّر مصر كلّها».
28 يناير، «جمعة الغضب»، كان يوماً مختلفاً. بعض المصريين أصابه الفزع من التهويل الذي بثّه التلفزيون المصري. بعضهم الآخر، كان يحتفل بانتصاره على الجهاز الذي قتل رفاقه في الشوارع. ماهر كان من فريق ثالث، يتأمّل ما يحدث، ويركّز على صور التظاهرات التي كانت تتجمّع رغم القمع. «كان مشهداً مؤثراً جداً. الحلم اللي كنت بحلم بيه، بيتحقّق قدام عيني. الناس بتتحرّك في الشوارع مش خايفين من الموت، ولا من القمع. مشهد رهيب». اليوم، يؤمن الشاب السكندري بأنّ الثورة إمّا أن تكون كاملة، «يا إما بلاش أحسن». يجب على الثوّار مواصلة الطريق، إكراماً للشهداء الذين سقطوا، «فاتحين باب الحرية والتغيير أمامنا»، يقول.
لا يتوقّف أحمد ماهر وزملاؤه في «6 أبريل» أمام الاتهامات التي توجّه إليهم بالخيانة، وبتلقّي التمويل الخارجي. وللمفارقة فهي التهم نفسها التي روّجها إعلام نظام مبارك، ويكرّرها الآن إعلام المجلس العسكري. «القضاء لم يثبت علينا أيّ تهمة من التهم التي روّجها مبارك، وصدّق عليها العسكر»، يقول ماهر مستشهداً بالتقرير النهائي الذي خلصت إليه لجنة تقصي الحقائق التي تمّ تشكيلها تحت إشراف وزير العدل، وأثبتت براءة الحركة من تهمة تلقّي أيّ أموال أجنبية أو دعم خارجي.
بعد سنة على ثورة الشعب المصري، يبدو أحد أبرز قياداتها مقتنعاً بأنّ النظام لم يسقط بعد، رغم خلع مبارك من على كرسي الرئاسة. «كان رأس النظام، لكنّه لم يكن النظام كله». يرى أنّ مبارك نفسه، ورجاله يحكمون البلاد من داخل السجن، وأنّ العسكر يحكمون البلاد بالأسلوب القديم، من خلال إبقاء الفاسدين في مواقعهم في الوزارات والهيئات وشركات القطاع العام. «كده بصراحة لم تعد ثورة. أهم حاجة التطهير». يؤمن ماهر بأن طريق التغيير ليس قصيراً، بل يحتاج إلى المزيد من النضال والكفاح. «التغيير معركة»، يقول. يدرك المهندس المدني أنّ الأهمّ هو بناء الأساس، حتى يستقيم البناء بأكمله. «نريد دولةً على أسس ديموقراطيّة تحترم حقوق الإنسان، وتضمن لكلّ مواطنيها حياة كريمة».



5 تواريخ

1980
الولادة في مدينة الإسكندرية (مصر)

2005
شارك في تظاهرات حركة «كفاية» التي رفضت التمديد لحسني مبارك

2008
قُبض عليه بعد دعوته للإضراب العام تضامناً مع عمال المحلة الكبرى

2011
كان مع رفاقه في «حركة 6 أبريل»
من بين الداعين إلى تظاهرات «25 يناير» التي أسقطت نظام مبارك

2012
يعمل على استكمال الثورة ورحيل المجلس العسكري في الذكرى الأولى للثورة