عجبتُ، وأنا أقرأ ردّ الصديقة آسيا موساوي التي تتحدث باسم جمعية تسمى «الاختلاف» («الأخبار»، 19/ 1/ 2012) والتي لم تطق اختلاف الزميل سعيد خطيبي معها في الرأي! ألم يكن ممكناً الاكتفاء بتكذيب ما ورد في المقالة بخصوص التهم الموجهة الى منشورات «الاختلاف» (وزارة الثقافة تؤمم مالك حدّاد ـــ «الأخبار»، ١٤/ ١/ ٢٠١٢) بسرقة او إهدار حقوق بعض الفائزين بـ «جائزة مالك حداد» من دون الوقوع في فخ التجني والشخصنة؟ خصوصاً أنّ تلك التهم وردت على لسان الكاتب شرف الدين شكري، ونسبت الى صاحبها. بالتالي، كان من المجاني أن ينساق الرد الى خانة الهجوم الشخصي والحكم على النوايا في محاولة لإيهام القارئ (غير الجزائري) بأنّ الأمر يتعلق بمؤامرة انتقامية يصفّي فيها كاتب المقالة (سعيد خطيبي) حساباته مع جماعة «الاختلاف» بسبب رفض مخطوط له قدمه للنشر لديهم!
إنني حزين على ثقافة بلادي والحال المزرية التي تدنت إليها نخبها. ماذا لو خرجنا من دائرة الحزازات الشخصية، ومن مستنقعات النميمة، لنثير نقاشاً ثقافياً متجرداً حول قضايا أكثر جوهرية؟
هل يمكن الصديقة آسيا والإخوة في جمعية «الاختلاف» الإجابة على التساؤلات التالية:
١ـ ما رد الجمعية على ما قاله بعض الفائزين بـ «جائزة مالك حداد» بخصوص إهدار حقوقهم من عقود وغيرها؟ ومن هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر، الروائي كمال قرور.
٢ـ هل يمكن أن توضح لنا الأخت آسيا ماذا تقصد بقولها إنّ أحلام مستغانمي تخلت عن «جائزة مالك حداد» بعد أربع دورات؟ هل تسعى لإنكار ما يعلمه القاصي والداني في الوسط الثقافي والإعلامي الجزائري بأنّ صاحبة «فوضى الحواس» اضطرت ـ بعدما عيل صبرها ـ لأن تنأى بنفسها عن المستنقع الآسن للصراعات التي أحاطت بالجائزة التي تطوعت لإنشائها في مسقط رأسها قسنطينة. وجاء ذلك «التخلي» بعدما وصلت العقلية التسلطية برفيقتنا السابقة (أيام كانت مناضلة نسائية) وزيرة الثقافة الحالية خليدة مسعودي تومي الى حد التهديد بـ «تأميم» الجائزة، أي وضعها تحت وصاية الوزارة، وبلغ بها الأمر الى حد محاولة استصدار «فتوى» في هذا الشأن من قبل نزيل قصر المرادية الرئيس بوتفليقة! كأن البلاد لا تتسع لأكثر من جائزة أدبية!
٣ ـ بمعزل عن الجائزة، هل يمكن اغتنام الفرصة اليوم لمساءلة آسيا ورفاقها عن حصيلة جمعية «الاختلاف» التي نشأت في الأصل لكسر الوصاية الرسمية على العمل الثقافي، وخلق فضاء حر، بعيداً عن اتحاد الكتاب العتيد، من شأنه أن يسهم في تكريس استقلالية الفعل الثقافي؟ واذا كان بإمكاننا اليوم، بعد عشريتين من الزمن، أن نُجمع على تتثمين إسهامات جمعية مثل «الجاحظية» (رغم الخلافات السياسية والفكرية الجذرية مع مؤسسها الراحل الطاهر وطار) في تجسيد نموذج فريد لاستقلالية العمل الثقافي في الجزائر، فهل يمكن أن نقول الشيء ذاته عن «الاختلاف» التي باتت متخصصة في تسول الدعم الرسمي واصطياد المساعدات الريعية على موائد النظام الاستبدادي الفاسد؟
٤ ـ إذا كان لا بد من لمسة من الشخصنة، كما تقتضي أعراف النقاش الثقافي في الجزائر، فأسمح لنفسي بأن أقول إنني كففت عن تقدير جمعية «الاختلاف» منذ واقعة توجيهها الدعوة الى الأديبة والمناضلة النسائية الكبيرة نوال السعداوي عام ١٩٩٨، واستقبالها بشكل مخجل. كانت الجزائر آنذاك في عز سنوات الدم، وكانت نوال السعداوي قد كُفِّرت للتو في مصر. التقيتها في ملتقى المبدعات العربيات في سوسة التونسية، وسألتني: «هل أنت ذاهب الى الجزائر أم ستعود مباشرة الى باريس؟». وعبرت عن سرورها حين عرفت أنّني ذاهب الى بلد المليون شهيد، وقالت إنّها حريصة على تلبية دعوة جاءتها من «الاختلاف» لإقامة ندوة في الجزائر. لكن منذ أن وصلت الى تونس، تحاول الاتصال بالجماعة في «الاختلاف»، لكنهم لا يردون على اتصالاتها. وعدتُ صاحبة «الأنثى هي الأصل» بأنني سأحاول أن أتوسط لضمان استقبالها بشكل لائق ثقافياً وأمنياً، خصوصاً أنّني وصلت الى الجزائر قبل يومين من قدوم السعداوي. اتصلت بالأخ أبوبكر زمال الذي كان آنذاك من كبار أقطاب «الاختلاف» وتحدثت معه مستهجناً التصرف غير المسؤول المتمثل في توجيه الدعوة الى شخصية مثل السعداوي، والاستخفاف بالاحتياطات الأمنية التي يحب اتخاذها أو بأدنى قواعد الأدب والضيافة. ووعد زمال بتدارك التقصير، لكنني لم أطمئن، فذهبت الى مطار الجزائر حاملاً باقة ورد، واستقبلت بنفسي ضيفة «الاختلاف» رغم أنّني كنت قد تركت البلد منذ سنوات، ولم تعد تربطني صلة بأي تنظيم ثقافي فيها. ومع ذلك، لم يخجل زمال من التصرف بعقلية بائعي السمك، كما يقول المثل الفرنسي، معرقلاً كل سبل استضافة نوال السعدواي من قبل جريدة «اليوم» الجزائرية، ضمن نشاطها الأسبوعي «فوروم».
لا شك في أنّ الصديقتين آسيا موساوي ونصيرة محمدي تذكران تلك الواقعة. لكن ما لا يعرفانه أنّني يومها شعرت بالخجل نيابة عنهما، وأدركت أنّ «الاختلاف» لم تعد ـ رغم البدايات المشرفة ـ سوى ميليشيا من الميليشيات الثقافية المتناحرة على تقاسم كعكة الريع الثقافي/ النفطي في الجزائر.
*كاتب جزائري سابقاً