ما لا يُقال أكثر مما يُقال في مجموعة خاتون سلمى الجديدة «آخر نزلاء القمر» (الجديد)، وهي الثانية لها بعد «عانقتُ امرأةً تنتظر» (2009). كأن الشاعرة اللبنانية تكتب لتزيد من سريّة ما تريد أن تكشف عنه، أو كأن ما تكشف عنه لا يزال مشروطاً بالكتمان الذي مكث طويلاً في طيّاته.  «هل كنتُ المتكلم/ أم المخاطَب»، تقول في القصيدة الأولى المستهلَّة بـ «ذاك الصوت الخاوي/ مكابدةُ شفاهي/ إعادة الكرَّة/ المرة تلو المرة». هكذا، تبدو الكتابة مثل لعثمة أو تمتمة خافتة أو «نصٍّ أخرس» بحسب القصيدة نفسها. لن نواصل اصطياد إشارات أكثر إلى أن ما نقرأه هو كلامٌ مع الذات أو كلام يؤرِّخ لعوالم ومناخات قريبة من الذات، إذْ إن المكابدة في قول الأشياء والأفكار تستمر في القصائد الست التي تضمها المجموعة. المكابدة تُؤجِّل الإقرار بالندوب والآلام المتحصلة من العيش، إنها تأبينٌ لذلك وتلويحٌ له أيضاً. لا نقرأ سيرةً أو شذراتٍ طبق الأصل منها. الكتابة تأخذ هذا الانطباع إلى دلالات أوسع، حيث تُلجم الذات قليلاً كي «تصل القصيدة وحدها»، و«يصل الدمع وحيداً»، بينما «وحده الصمت/ حارس الجنون/ يمرِّر اليومَ اليابس/ والدمعَ المعتَّق».
لا تذهب خاتون سلمى أبعد من نبرة باكورتها. لا تزال تكتب بلغة متماسكة تمنح مشهديات قصائدها فصاحةً أعلى من مذاقها اليومي، لكن هذه الكتابة تحدث على هامش ما هو متداول شعرياً. كأن ما نقرأه مكتوب في جوار الكتابة الراهنة لا في قلبها. لعل هذا الإحساس متأتٍّ من عصامية لغوية تقاوم تسرّب تأثيرات خارجية إليها، أو أنها تمتص هذه التأثيرات وتحوّلها إلى إنجاز شخصي. 
هكذا، تبدو المجموعة مكتوبة باللحم الحيّ. كأن الشاعرة يكفيها أن تكون «قصيدتي ندبةً من ورق»، وأن «يظل القلب في باطن القلب»، وأن تتبادل الجراح مع مخاطب غير واضح المعالم و«يكون العناق/ مثقال دمٍ بمثقال ماء». يتضاعف الصمت هنا مع انضمام المرارة وفوات الأوان إلى مكونات الكتابة. ثمة عالمٌ يسيّج امرأة القصائد المنقسمة بين الاستسلام لتراكم تفاصيل هذا العالم، وبين الإقرار بقسرية إقامتها فيه: «فقط/ ليتكَ اليد التي تمسك اليد/ ليتني الزمن يفلتُ الزّمام/ لأنثر ما رتَّبته قسراً»، حيث يمكن التخفف من أثقال الوجود، والعودة إلى طفولة مفتقدة: «لا أحد في الداخل/ فقط / الجميلة والسناجب/ وأقزامٌ سبعة/ يوضبون الرحيل/ وفيما بينهم يختلفون/ من سيحمل الحقائب». في مكان آخر من المجموعة، نجد ترجمة أكثر وضوحاً: «لم يكن الجرحُ ما آلمني/ بل الدماء التي لا تشبه دمي».