انطلقت بكرات «فيلم سينما» على خشبة «مسرح مونو»، ومعها عرض جو قديح الجديد. تتقلّص الخشبة إلى جزئها الأمامي، حيث وُضع كرسي لمخرج سينمائي إلى يمينها، وشاشة صغيرة إلى اليسار، ودراجة نارية في زاوية المسرح. وسط هذه العناصر البسيطة، يطلّ علينا جو قديح راكباً دراجته الهوائية، ليقدم عرضه الكوميدي المنفرد، أو ما يعرف بـ «ستاند أب كوميدي».
ينطلق الممثّل اللبناني في نصه من ذكريات تشمل الصالات السينمائية الشهيرة التي عرفها وسط البلد، والأفلام التي تأثر بها في طفولته. يرتكز إلى فكرة البطل الخارق كمحور أساسيّ للعرض. من سوبرمان، إلى سوبر جو، تتوالى الشخصيات على الخشبة، لكل منها قصتها النابعة من تركيبة المجتمع اللبناني، وموزعة على مشاهد منفصلة. يعبر قديح فينا الزمن من شارع المتنبي، حيث كانت بعض الصالات تعرض أفلام التشويق، والأفلام الإباحية، وصولاً إلى يومنا هذا مع دخولنا عالم الأبعاد الثلاثية. يجول بنا قديح على شخصياته الخارقة، بداً من «خميس» المصريّ، والمسؤول عن توزيع شبكة القنوات الفضائية على المنازل، ومغامراته مع الجارة، وقسم الدرك، الذي يكتشف انتهاء مدة صلاحية أوراقه. شخصية الدرك أو «الدكر» كما يسمّيه قديح، تعود كل مرة لترسم انتهاء المشهد، ونقل الشخصية إلى الحبس. ثم تكر السبحة، لنتعرف إلى «فوكسي» المثليّ الجنس، و «تانيا» المرأة الخارقة، وزوجها «نجيب» وغيرهم... سوف يلتقون جميعاً في المشهد الأخير في الحبس. ولا بد من أن نختم العرض بالطلب ممن يمثل الدولة بتحسين الوضع في لبنان، «وإلا متل ...». عرفنا قديح في عروض عدّة مثل «حياة الجغل صعبة» و«أشرفية» و«أنا». رسم خطاً خاصاً في العمل الكوميدي المنفرد على المسرح. رغم تلك التجربة الطويلة، فإنّ عرضه «فيلم سينما» يدفعنا إلى طرح بعض الأسئلة. إذا تناسينا تراخي الإيقاع خلال العرض، والتقطيع المستغرب في تأدية النص الذي يفقده عفويته، لا يمكن تجاهل بضع نقاط صارت ركيزة في العمل الكوميدي في لبنان، رغم طابعها الخلافيّ. ألم نضجر من الإيحاءات الجنسيّة التي تجد مكانها في كل سياق ودرب وتفصيل وشخصية؟ ألم تُستنزف الشخصيات المثليّة التي لا تظهر سوى في شكل مخنث، مشتهية الجنس طوال الوقت؟ ألا ننتظر من قديح أن يتخطى توظيف تلك الأوراق التي تدغدغ مشاعر الكبت الجنسي والعنصرية في المجتمع اللبناني، فيضمن انفجار قهقهته؟ أليس على الفنان الكوميدي في مجتمعنا تحمّل مسؤولية تقديم مادة تنقل الجمهور إلى مساحة متقدمة في النقد الفكاهي بدلاً من البناء على تخلّفه؟ 



«فيلم سينما»: 8:30 مساءً حتى 29 ك2 (يناير) الحالي ــــ «مسرح مونو» (الأشرفية/ بيروت) ـــ
للاستعلام: 01/202422