مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في فرنسا، تزداد حدّة خطابات اليمين المتطرّف الممثّل بحزب «الجبهة الوطنية»... ومع ارتفاع نبرة العنصريّة والإقصاء، تشتدّ مخاوف المهاجرين على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. أمام هذا الواقع، تواصل شريحة واسعة من شباب الضواحي الباريسية مقاطعة الانتخابات الرئاسية في غياب مرشح يمثلهم. يبرّر رشدي زام (46 عاماً) موقفهم «بافتقارهم إلى مرجعية تاريخية، وعدم اطلاعهم الكافي على تاريخ آبائهم وأجدادهم».
همّ البحث عن مرجعية وإظهارها أمام المهاجرين من أصول عربيّة في فرنسا، دفعا الممثل والمخرج الفرنسي ـــ المغربي إلى إنجاز أفلام يصفها «بالملتزمة في مضمونها، من منطلق رغبتها في التعبير عن التاريخ حاضراً وماضياً».
خلال العام الماضي، حقق زام أحد أهمّ نجاحاته السينمائيّة، حين فاجأ هواة الفن السابع والنقاد، بشريطه «عمر قتلني». وقف الممثل الأسمر خلف الكاميرا، ليخرج فيلماً كان له وقع الصدمة في الصالات، ورشّحه المغرب لتمثيله في فئة أفضل فيلم أجنبي خلال جوائز «الأوسكار». في عمله الروائي الطويل الثاني، عاد رشدي زام إلى واحدة من أشهر القضايا الجنائية في فرنسا، حتى شبّهها جاك فيرجيس بقضية الضابط درايفوس. فتح الشريط ملف عمر الالرداد، في وقت كانت فيه الدول العربية تعيش ربيعها، وتنخرط في مسيرة الديموقراطية، وتنظر إلى المستقبل. عمر الرداد البريء والمجرم في آن واحد، عاد إلى الواجهة الإعلامية في فيلم أراده صاحبه «تشريحاً للقضية لا دفاعاً عن صاحبها»، كما يقول. غير أنّ متتبع الشريط، سيكتشف تعاطفاً واضحاً مع عمر الرداد (سامي بوعجيلة). البستاني المغربي، اتّهم عام 1991، باغتيال سيّدة فرنسيّة تدعى غيلان مارشال في مرأب منزلها، حيث كان يعمل. وقرب جثّة الضحيّة، عثر المحققون على عبارة فيها خطأ إملائي كتبت بدمها: Omar m’a tuer «عمر قتلني». عام 1994، حكم على عمر بالسجن ثمانية عشر عاماً، قبل أن ينال عفواً رئاسياً عام 1998، بتدخّل من الملك المغربي الأسبق الحسن الثاني، بعدما أثارت القضية زوبعة إعلامية وسياسية، بسبب الافتقار إلى الأدلة الكافية للإدانة. يظهر عمر الرداد الحقيقي في نهاية الفيلم رجلاً منهكاً، ما زال يبحث عن سبيل لإقناع متّهميه ببراءته. «الفيلم حكى ما جرى. طرح أسئلة عما وقع قبل عشرين عاماً، أكثرر مما قدّم إجابات»، يؤكّد زام.
الأسئلة علامة فارقة في أغلب الأعمال التي شارك فيها زام، سواء مخرجاً أم ممثلاً كما في «بلديّون» (2006)، و«خارجون عن القانون» (2010) للمخرج الجزائري رشيد بو شارب. يرى أنّ مشاركته في هذه الأعمال، نابعةٌ من رغبته في محاكاة ما عايشه الآباء والأجداد في مواجهة الفاشية، ثمّ في مواجهة الاستعمار، والتساؤل عما بقي من تلك النضالات اليوم. ويَرى الممثل الحائز جائزة أفضل ممثل في مهرجان «كان» عام 2006، أنَّ الشخصيات التي يجسّدها تحمل رسالة وفرجة في آن
واحد.
حين أنجز فيلمه الأوّل كمخرج «سوء نية» (2006)، جسّد شخصية إسماعيل، الشاب المهاجر المسلم الذي يقع في حب الشابة اليهودية كلارا (سيسيل دو فرانس)... لكنّ الفيلم قوبل بانتقادات لاذعة وجدت أنّه يتناول الموضوع من زاوية سطحيّة ومبتذلة. «على الأقل، استطعت تخطّي بعض الكليشيهات والنظرات النمطية التي يرى من خلالها الآخرون العرب المهاجرين في فرنسا»، يردّ المخرج مدافعاً عن باكورته. رشح العمل لجوائز الـ«سيزار» عن فئة أفضل أوّل فيلم، وشرّع الباب على مصراعيه لبروز رشدي زام، ولصعود موهبة أخرى هي الممثلة الشابة ليلى بختي، التي أدّت يومها دور شقيقة إسماعيل، لتصير اليوم واحدة من أهم الأسماء في السينما الفرنسية.
يحبّذ رشدي تقديم نفسه على أنّه المغربي، «ابن كازابلانكا» (الدار البيضاء)، وإن كان قد ولد ونشأ في ضاحية جونفيلييه (شمالي باريس). بداياته الفنية جاءت على خشبة المسرح، بعدما مارس في مراهقته مهناً صغيرة لكسب قوته، ومنها بيع سراويل الجينز. عام 1987، حظي بفرصة المشاركة بدور ثانوي في فيلم «الشرطة» Les Keufs لجوزيان بالاسكو. هذا المرور كان كفيلاً بمنحه شغف مواصلة التجربة، فجاءت مشاركته في «لن أُقبّل» (1991) للمخرج أندريه تيشيني، حيث جسد دور سعيد الطامح لأن يصير ممثلاً معروفاً على مسارح باريس. في فيلم «لا تنس أنّك ستموت» (1996) لكزافييه بوفوا (صاحب الفيلم المثير للجدل «بشر وآلهة») أدّى دور عمر، الذي يرافق بونوا المصاب بالإيدز، بحثاً عن اللذة المفقودة في المخدرات والجنس.
النقلة النوعيّة في تجربة رشدي زام، جاءت بعد عمله مع السينمائي الجزائري رشيد بو شارب في «بلديّون» (2006)، و«خارجون عن القانون» (2010)، وأدّى في العملين شخصيّة تحمل اسم مسعود. حين نال جائزة أفضل ممثل في مهرجان «كان» عام 2006 (مناصفةً مع كلّ فريق المؤدين الرجال في «بلديّون»)، أهدى الجائزة إلى قدامى المحاربين المغاربة، ممَّن شاركوا في تحرير فرنسا. وردّاً على الحملة التي شنّتها جمعيات يمينية فرنسيّة على فيلم «خارجون عن القانون» الذي عدّته إساءةً إلى تاريخ فرنسا: «كممثّل أستثمر التاريخ، لكنّني لا أكتبه. التاريخ موجود قبلنا. كلّ ما أثير من زوابع وانتقادات حول الفيلم كان غير مبرر». نبرة رشدي زام الهادئة، وثقته بنفسه، عاملان مهمّان في تكوين شخصيته الفنية. صفات جعلت الكثير من السينمائيين المكرّسين يسعون إلى العمل معه، ومنهم يسري نصر الله في شريطه «المدينة» (1999)، ومرزاق علواش في «شوشو» (2003).
افتتح الممثل العام الحالي بفيلم «ليل» لفيليب لوفيفر، الذي وصل أخيراً إلى الصالات الفرنسيّة. يتقمص هنا شخصيّة سيمون وايس، وهو ضابط في فرقة شرطة مكلّفة بمراقبة بائعات الهوى، يعيش حياة ليلية متقلّبة. «أعجبتني فكرة الفيلم. الشخصية الليلية للبطل كانت مثيرة بالنسبة إلي». خلال تجربته الغنيّة الممتدة على أكثر من أربعين عملاً، وزّع زام اهتماماته بين الكوميديا والدراما والأفلام التاريخية... ينتظر هذا العام صدور اثنين من أعماله الجديدة، هما فيلما «من دون مَخْرج» للسينمائي التونسي مبروك المشري، ويحكي قصّة اختطاف رعايا أميركيين في إسبانيا، و«أيدٍ مسلحة» لبيار جوليفيه، وهو فيلم بوليسي ستشارك فيه ليلى بختي أيضاً.



5 تواريخ

1965
الولادة في جونفيلييه (شمال باريس)

1987
شارك للمرة الأولى في شريط سينمائي بدور ثانوي في عمل «الشرطة» لجوزيان بالاسكو

1996
أدّى دور عمر في فيلم «لا تنس أنّك ستموت» لكزافييه بوفوا

2006
نال جائزة أفضل في مهرجان «كان» عن دوره في فيلم «بلديّون» لرشيد بو شارب

2012
يؤدّي دور شرطي في فيلم فيليب
لوفيفر «ليل» الذي وصل أخيراً إلى الصالات الفرنسيّة، بعدما شهد العام الماضي نجاحه كمخرج في شريطه
الجدلي «عمر قتلني»