دمشق | منذ انطلاق الثورة في سوريا، لم تهدأ موجة اعتقال المثقفين والفنانين. وعندما اختار بعض هؤلاء النزول إلى الأرض والمشاركة في التظاهرات، واجهوا مصائر مشابهة: التهديد أو الاعتقال أو الفرار خارج البلاد. ولعلّ المخرج السينمائي نضال حسن (1973)، هو أكثر من عانى من السلوك القمعي للأجهزة الأمنية، إذ تعرض للاعتقال في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أثناء مراجعته فرع الهجرة والجوازات في دمشق. وكان حسن ينوي تجديد جوازه بهدف السفر لاستكمال إجراءات فيلمه التسجيلي الجديد «فقراء يتحدّون غينيس». على أي حال، لم تكن تلك المرة الأولى التي يعتقل فيها هذا المخرج الشاب. إذ كانت السلطات قد أوقفته أيضاً في شهر تموز (يوليو) الماضي إثر مشاركته مع مجموعة من المثقفين والفنانين في تظاهرة الميدان الشهيرة. وبعد ثلاثة أيام، أطلق سراحه ليحاكم وهو طليق. وأحيل يومها مع مجموعة من زملائه، منهم الفنانة مي سكاف، والسيناريست ريما فليحان، والصحافي أياد شربجي، إلى محكمة صلح الجزاء في دمشق، حيث يحاكمون بتهمتَي التظاهر غير المُرخّص وإثارة الشغب.
لكن في المرة الأخيرة، بدا الأمر مختلفاً. لقد اعتقل حسن وأحيل إلى سجن عدرا المركزي وسط تناقل شائعات عن صدور حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات ... لكن منذ أيام عدة، فاجأ حسن أصدقاءه على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك حين وجّه تحية للجميع عبر صفحته. حتى ظن البعض أنّ الصفحة قد تعرّضت للاختراق. لكنّ حسن أكد في اتصال مع «الأخبار» أنّ القاضي المكلف بمحاكمته وافق على إخلاء سبيله، على أن يخضع لمحاكمة ثانية وهو خارج السجن.
في الإطار نفسه، انتشر قبل أكثر من عشرة أيام خبر عن فقدان الممثل السوري الشاب جلال الطويل أثناء محاولته التسلل عبر الحدود الأردنية بعد إصابته بعيار ناري. وبقي مصير الطويل مجهولاً حتى يوم أمس حين تأكد إطلاق سراحه بموجب العفو الرئاسي. وقد أكّد مصدر مقرّب من الطويل لـ«الأخبار» أنّه تعرّض لإصابات، لكنّه تماثل للشفاء، وأنه بالفعل كان موقوفاً في أحد الفروع الأمنية السورية بعد اعتقاله لدى محاولته الوصول إلى الأردن. وقد اشتهر الطويل بمواقفه المناهضة للنظام منذ انطلاق التظاهرات الاحتجاجية. لكنه تجاوز مسألة النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي وظهر في عزاء الشهداء في حي القابون الدمشقي برفقة الممثل محمد آل رشي، والفنان فارس الحلو. يومها، كان يرفع هتافات معارضة للنظام. وبعد غيابه لفترة عن الاحتجاجات، شوهد مجدداً محمولاً على الأكتاف أثناء تشييع أحد
الأطفال.
بدورها، لا تزال الكاتبة ريما فليحان تقيم في الأردن، وقد أعلنت منذ أيام استقالتها من عضويتها من المجلس الوطني السوري. وقد كتبت على فايسبوك: «أعلن أنني انسحبت من المجلس الوطني السوري ... والمجلس الأعلى لقيادة الثورة (...) وسأكون أكثر حرية الآن في التعبير عن آرائي، وأكثر حرية في أن أكون ضميراً حراً ... الثورة تمثّلني.. الشباب المتظاهر يمثّلني ... وسوريا الحرة هدفي وانتمائي ...».
باختصار، يأمل البعض أن يهدف العفو الرئاسي إلى فتح صفحة جديدة، لكن هل ستنجح الأجهزة الأمنية فعلاً في الابتعاد عن ممارسات المنع والتهديد والاعتقال؟ أم أنّ الطبع سيغلب التطبّع؟