دمشق | يستعير مؤسّسو «رابطة الكُتّاب السوريين» التي أُعلن عنها أخيراً، الاسم القديم لأوّل تجمّع أدبي سوري في الخمسينيات. وبذلك، يزيحون جانباً واجهة «اتحاد الكتاب العرب» الذي حلّ مكان الرابطة، بكل ما تحمله هذه المنظمة النقابية من مزايا وآثام. إعلان الرابطة الجديدة أثار ردود فعل متضاربة لجهة توقيتها ومقاصدها، بصرف النظر عن أهمية «ديباجة» البيان التأسيسي في تأصيل «إطار ديموقراطي ومستقل لعموم الكُتّاب السوريين». ذلك أنّ معظم الأسماء التي ضمّتها القائمة المنشورة على موقع الرابطة هم أعضاء في اتحاد الكتاب العرب. وكان الأجدر أن يعلن هؤلاء انسحابهم من عضوية الاتحاد، ثم الانتساب إلى الرابطة كي لا يطالهم وصف «شهود زور» الوارد في البيان التأسيسي، ولو طلب ذلك التخلّي عن المكاسب المالية التي يمنحها الاتحاد (الرسمي) لأعضائه... سؤال يطرحه الروائي عمر قدور الذي يفكّر في الانسحاب من «الرابطة» الوليدة بعد إعلان انتسابه إليها، بسبب «غياب الشفافية وأسس العمل الجديّة».
ويضيف: «لا أصدّق كاتباً يضع قدماً هنا وقدماً هناك، هذه انتهازية». وهو بذلك يلتقي مع موقف الشاعرة السورية المقيمة في باريس عائشة أرناؤوط التي انسحبت من عضوية الاتحاد في رسالة وجهتها إلى الرابطة، تعبيراً عن إيمانها بالثورة السورية، وانتقالها من «مؤسسات الخضوع إلى مؤسسات الحرية بعد نصف قرن من حكم الطغاة، والتلذذ بالخنوع لتعليمات الآلة القمعية التي تمثّل خيانة كبرى للدماء الطاهرة» على حدّ قولها.
الروائية سلوى النعيمي تعلّق على ازدواجية مواقف بعض الكتّاب، قائلة: «هؤلاء من الجامعين المانعين الصالحين لكل زمان ومكان». من جهته، يبدي الشاعر شوقي بغدادي حماسة لتأسيس الرابطة «كبديل لعبودية طويلة، طاولت الكاتب السوري في حريته وتهديد أمنه الشخصي بسبب قصيدة مارقة أو رأي فكري»، متناسياً آثام الفترة التي عاشها كعضو في المكتب التنفيذي خلال حقبة علي عقلة عرسان السيّئة الصيت. ويخشى الشاعر علي سفر أن يكون ارتباط برنامج الرابطة بالحراك الدائر في الشارع السوري اليوم، هو انخراط في «حالة إقصائية مشابهة لما يقوم به اتحاد الكتّاب، خصوصاً بإعلانها مناهضة النظام من جهة، وصعوبة إعلان موقف صريح منه بالنسبة إلى كتّاب كُثر في الداخل من جهةٍ ثانية، ما يحوّل هذه المبادرة مغامرةً ضبابية، أو انها تسعى إلى نزع الشرعية عن منظمة الاتحاد أكثر من تكريسها للاستقلالية».
ويختزل الشاعر عادل محمود موقفه من مختلف أنواع المؤسسات بأنها تفتقد النزاهة. أما الشاعر إبراهيم الجرادي الذي خاض انتخابات اتحاد الكتاب في دورته الحالية، وحاز مقعداً في المكتب التنفيذي بصفته مستقلاً، فله رأي آخر. يشير إلى أن «من حق الكتّاب السوريين أن يحققوا ما حرموا منه بسبب السياسة الثقافية الخاطئة، وسيطرة قيم ماضوية في مفاصل عمل الاتحاد. لكن إعلان الرابطة في هذا التوقيت يبدو فعلاً طائشاً، بمحاولة هدم بنيان ثقافي ومهني، أسهم في تكريسه عشرات الكتّاب (الأحرار)». ويوضح: «الادعاء بأن كلّ من ينضوي في عضوية الاتحاد هو كاتب خانع، وكل من هو خارجه بطل إبداعي، يفتقر إلى الصواب (...). الأولى بالرابطة الحرص على أن تكون مستقلة في توجهاتها، وألا تسخّر الإبداع لغايات سياسية، وروح استحواذية، كما هي حال الاتحاد، ولو من موقعٍ مغاير».
ويرى آخرون أن تأسيس رابطة للكتّاب السوريين ضرورة لخلخلة البنى الثقافية الرسمية المتهالكة والمغلقة على مصالح أفرادها، شرط ألا تكون وحدها من يحمل دمغة «الجودة»... هذه الرابطة في جانب من حماسة كاتبي بيانها التأسيسي تظهر كأنها «مقاولة رابحة» بركوبها موجة الثورة السورية. وهذا ما سيفجّر انشقاقات في الوسط الثقافي في التمييز بين «أدباء الداخل» و«أدباء الخارج»، ما دامت الرابطة لن تتمكن من إثبات وجودها الفاعل، أقلّه في هذه الظروف، إضافة إلى نبرة «الاجتثاث» التي تتسرب في بيان الرابطة. قد يطول هذا السجال، وربما ستطوى هذه الصفحة قريباً تحت ثقل بيانات أخرى محمولة على رافعة الثورة من جهة، والأجندات الغامضة من جهةٍ أخرى. يتساءل أحدهم: «وماذا بخصوص «رابطة أدباء الشام» التي أعلنتها قبلاً جماعة الإخوان المسلمين؟». ويجيب: «أليس في هذه الدعوات بداية معركة فكرية تستدرج المثقف السوري إلى متاهاتها، في التوقيت الخاطئ؟».
syrianswa.com