بغداد | مجدداً، اتجهت أنظار الإعلاميين والمدوّنين العراقيين إلى شارع المتنبي. وهذه المرة، محور الاهتمام كان صورة نشرها الفوتوغرافي العراقي هاتف فرحان لفنانة مسرحيّة شابّة كمّمت فمها بشريط لاصق. التُقطت الصورة خلال عرض «صراع مع الذات» لذو الفقار البلداوي الذي قدّم على شاطئ نهر دجلة (في نهاية الشارع بجوار تمثال المتنبي). هناك، تجمهر عدد من النساء والشباب والشيوخ حول أربعة من شباب المسرح العراقيّ، كانوا يؤدون نصاً حول نزعات التسلّط، ومصادرة الحريّات ومحاولات تكميم الأفواه... لعلّ الفنّانة الشابة رؤى ابراهيم (الصورة) كانت المحور الأساس لإنجاح فكرة عرض الشارع هذا، إلى جانب زملائها ذو الفقار البلداوي، وحسنين سلام وفالح كريم. نصّ العمل الذي كتبه محسن رحيم وعبد الرحمن القيسي، يحفل بالإسقاطات على الراهن العراقي. تحذّر المسرحية من التهديدات والمخاطر التي تواجهها الحريّات في بلاد الرافدين. وقد مُنحت بطولة هذا العرض إلى المرأة ـ من خلال رؤى ابراهيم ـــ بوصفها الكيان الأضعف في المجتمعات التقليديّة. فإذا بها تلعب الدور الأكبر في تجسيد الخشية العراقيّة من المجهول.

مخرج «صراع مع الذات» ذو الفقار البلداوي، استثمر الفضاء الذي يشغله روّاد شارع المتنبي قبالة شاطئ دجلة، ليطلق صرخات أبطال مسرحيّته، وهم يتجوّلون وسط المارّين في مشاهد هي ابنة لحظتها القلقة. أدرك هؤلاء الشباب أنّ أيّ حراك ثقافيّ يجب أن يستوعب حالة الطوارئ واللااستقرار المحيطة ببيئته. وبالتالي، من الضروري أن تغادر الأنشطة القاعات المغلقة، وخشبات المسارح، وتذهب إلى الجمهور في المقاهي والساحات العامّة والشوارع، وتنبّه الناس إلى أنّ للإبداع كلمته في مشهد معقّد كالذي نعيشه اليوم. حتّى أنّ الإعلان عن العرض والتعريف به، لم يكن بالطرق التقليدية مثل الملصقات الجاهزة والمنمّقة. بل جاء على كرتونة طويلة كتب عليها اسم العرض وأبطاله ومؤلفه ومخرجه، فضلاً عن توقيته من دون أن يتضمن أيّ إشارة محدّدة إلى مكان تقديمه... ليفاجأ المارّون بإطلالة الممثلين عليهم في الشارع الشهير.
صور هاتف فرحان كما عهدناها دوماً، تعاند واقع البلد الرازح تحت أنباء الموت المجانيّ وخلافات الفرقاء التي لا تنتهي. ويعاند «صراع مع الذات» كلّ الساعين للعودة إلى زمن الرهبة وإلغاء الآخر.