بغداد | في مؤشّر إضافي إلى تراجع الحريات في العراق، شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلة إقالات من صحيفة «الصباح» شبه الرسمية والتابعة لـ«شبكة الإعلام العراقي»، بدأت بسكرتير التحرير الثقافي أحمد عبد الحسين وزميله أحمد حسين. ويتوقّع صحافيون أن يشهد الأسبوع الجاري إقالة آخرين. وفيما أعلن مدير الشبكة محمد عبد الجبار الشبوط أنّ الأسباب «إدارية بحت لا علاقة لها بالسياسة»، بدا المشهد أكثر تعقيداً. فور صدور قرار إقالته، قال عبد الحسين إنّ «التجاذبات السياسية ومساعي العراق لإعادة العلاقات الثنائية مع الكويت، أسهمت في كبت كل الأصوات المطالبة بإيقاف إنشاء ميناء مبارك». من جهته، يؤكّد مصدر صحافي مطّلع على الملفّ أن «إقالة عبد الحسين وزميله ومن سيليهما سببها دورهما في تظاهرات 25 شباط (فبراير) الماضي، والمقالات التجييشية التي كتبوها وقتها». ورغم أن «شبكة الإعلام العراقي» مموّلة من المال العام، إلا أنّها فشلت في الحفاظ على استقلاليتها. حالما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في العراق، شنّت «الصباح» حملة شعواء على المتظاهرين ووضعتهم في خانة واحدة مع «حزب البعث» وتنظيم «القاعدة».

هذه السياسة التخوينية وصلت إلى داخل أروقة الجريدة لتطاول أحمد عبد الحسين الذي نشط منذ عام تقريباً، مع عدد من زملائه في التشجيع على المشاركة في التظاهرات المطلبية، ثم قيادة احتجاجات داخل الصحيفة للمطالبة باستقلاليتها. وتخلّل هذه الحملة نشر مقالات دافعت عن العراق ضد إنشاء ميناء مبارك الكويتي، وسط أنباء عن دفع الكويت أموالاً طائلة لمسؤولين عراقيين، مقابل سكوتهم عن هذا المشروع الذي تشير تقارير إلى أنه «سيؤدي الى أضرار كبيرة في الاقتصاد العراقي».
إذاً صدر قرار إقالة أحمد عبد الحسين وزميله أحمد حسين عن رئيس الشبكة محمد عبد الجبار الشبوط الذي عيّنه أخيراً رئيس الوزراء نوري المالكي في منصبه، نظراً إلى إقامته في الكويت وعلاقته المتينة بالعائلة الحاكمة هناك. لكن قبل إقالة الصحافيين، اتخذ الشبوط قبل شهر قراراً بفصل رئيس تحرير «الصباح» عبد الستار البيضاني. وكان هذا الأخير قد رفض عرضاً يبقيه في منصبه لو قبِلَ بقرار إقالة عبد الحسين، وهو ما رفضه البيضاني، ما أدى إلى مغادرته الجريدة. ووسط هذا الهجوم المركّز على أحمد عبد الحسين، تلقى هذا الأخير رسائل تنصحه بألا «يعقد مؤتمراً صحافياً لشرح ما جرى لأنه قد يعرّض حياته للخطر...».
ويبدو كل ما سبق متوقعاً نظراً إلى المكانة الإعلامية والثقافية المهمة التي يتمتع فيها هذا الصحافي والشاعر العراقي. إذ برز معارضاً لنظام صدام حسين، ما أدى إلى صدور حكم بإعدامه، فهرب إلى سوريا. وبعد عودته إلى بلاده عام 2005، لم يتردد في انتقاد التطورات السياسية والحزبية في العراق. هكذا شارك في التظاهرات في ساحة التحرير البغدادية. كما تناول ملفات حساسة في ملحق «أدب وثقافة» الأسبوعي الذي تصدره جريدة «الصباح» إلى جانب حضوره كناشط ثقافي مع زملائه في «بيت الشعر العراقي».
ولعل هذه السيرة الشخصية الغنية جعلت عدداً كبيراً من الصحف والمواقع الإلكترونية تعلن عن تضامنها مع عبد الحسين بعد صدور قرار إقالته.
«الأخبار» التقت أحمد عبد الحسين الذي أشار إلى أنّ «حرية الإعلام في العراق تتراجع. نظام الحكم يتجه نحو ديكتاتورية الفرد والحزب الواحد بعدما شاهدنا ديكتاتورية العقيدة الواحدة على مدى سبع سنوات. لذلك، يريدون اليوم تصفية كلّ صوت معارض. والاعتقالات التي طاولت بعضاً من الاعلاميين، تصبّ في هذا الاتّجاه. وهو ما يؤكد أننا على أعتاب فضاء قمعي في دولة بوليسية». ورأى في كل هذه التطورات «محاولة لاستبدال طغيان بآخر. ما الجديد في العراق الجديد؟ كان الإعلام هو الفضاء الحر الوحيد، واليوم يتهاوى». ويقول الصحافي والشاعر الذي عاد إلى العراق من كندا عام 2005 «نحن محكومون بمغادرة العراق لعشرين سنة كلما أراد الطغاة أن يجرّبوا طغيانهم. ويساعدهم في ذلك رهط ممن يسمون أنفسهم مثقفين».
أما زميله الصحافي أحمد حسين، فيقول لـ«الأخبار»: «إقالتي مع أحمد عبد الحسين كانت متوقعة بالنسبة إلينا. نحن نعرف الشبوط وهيئة تحرير جريدة «الصباح»... ما يحزننا أن تتحول مؤسسة إعلامية إلى بوق يذكّرنا بعهد ظننا أنه باد». ويضيف: «يبدو أن لعنة الديكتاتورية لم تغادر هذا البلد، هذا ما يحزّ في النفس أكثر من أي شيء ثانٍ».



هل قلتَ ستقلالية؟

بعد غزو العراق عام 2003 وسقوط نظام صدّام حسين، انطلقت «شبكة الإعلام العراقي» التي تضمّ جريدة «الصباح»، ومجلة «الشبكة»، وقناة «العراقية»، وقناة «العراقية الرياضية»، وإذاعة «بغداد»، وإذاعة «الفرقان». وككل المؤسسات الرسمية في «العراق الجديد»، يخضع تعيين أعضاء هيئة الأمناء في «شبكة الاعلام» ومديرها، إلى نظام المحاصصة. وبالتالي، فإنّ الصحافيين والمواطنين على السواء لم يتوقّعوا يوماً أن يكون سلوك الشبكة وأداؤها مستقلاً أو مهنياً. بل على العكس تماماً، إذ سقطت في أكثر من امتحان كان أبرزها خلال تغطيتها لتظاهرات في 25 شباط (فبراير) الماضي.